الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              24 [ ص: 603 ] 16 - باب : الحياء من الإيمان

                                                                                                                                                                                                                              24 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " دعه، فإن الحياء من الإيمان". [6118 - مسلم: 36 - فتح: 1 \ 74]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              نا عبد الله بن يوسف أنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعه، فإن الحياء من الإيمان".

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري هنا عن عبد الله، عن مالك، وأخرجه أيضا في موضع آخر عن أحمد بن يونس، عن عبد العزيز بن أبي سلمة. وأخرجه مسلم هنا أيضا عن الناقد، وزهير، عن سفيان، وعن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، ولم يقع لمسلم لفظة: "دعه".

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثاني: في التعريف برواته:

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف خلا سالما.

                                                                                                                                                                                                                              وهو أبو عمر، ويقال: أبو عبد الله سالم (ع) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني التابعي الجليل الفقيه الصالح الزاهد الورع المتفق على جلالته. وهو أحد الفقهاء السبعة -فقهاء المدينة- [ ص: 604 ] على أحد الأقوال سمع أباه وأبا هريرة وغيرهما من الصحابة وخلقا من غيرهم، وعنه: جمع من التابعين منهم الزهري.

                                                                                                                                                                                                                              قال إسحاق بن راهويه: أصح الأسانيد كلها: الزهري، عن سالم، عن أبيه، وكان أشبه ولده به، وكان والده أشبه ولد عمر به.

                                                                                                                                                                                                                              قال مالك: ولم يكن في زمن سالم أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد (والقصد) والعيش منه، كان يلبس الثوب بدرهمين.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن سعد: كان كثير الحديث عاليا من الرجال.

                                                                                                                                                                                                                              مات سنة ست ومائة، وقيل: خمس، وقيل: ثمان.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة: لسالم إخوة: عبد الله، وعاصم، وحمزة، وبلال، وواقد، وزيد، [ ص: 605 ] وأخوات، وكان عبد الله وصي أبيه منهم، روى عنه منهم أربعة: عبد الله، وسالم، وحمزة، وبلال.

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الرجل لم أقف على اسمه، وكذا الأخ فليطلب.

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الرابع: في ألفاظه ومعانيه:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (مر على رجل) قال أهل اللغة: مر عليه، ومر به يمر مرا، أي: اجتاز.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (يعظ أخاه) قال أهل اللغة: الوعظ: النصح، والتذكير بالعواقب، وقال ابن فارس: هو التخويف، قال: والعظة: الاسم منه. قال الخليل: وهو التذكير بالخير (فيما) يرق له قلبه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 606 ] قال الزبيدي في "مختصر العين" : الوعظ والموعظة والعظة سواء. تقول: وعظه يعظه وعظا وموعظة فاتعظ، أي: قبل الموعظة.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى: (يعظ أخاه في الحياء) أي: ينهاه عنه، ويقبح له فعله، ويخوفه منه. فإن كثرته عجز، فزجره - صلى الله عليه وسلم - عن وعظه، وقال: "دعه" أي: على فعل الحياء، وكف عن نهيه; "فإن الحياء من الإيمان".

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية أخرى في الصحيح: "الحياء خير كله". وفي رواية: "الحياء لا يأتي إلا بخير".

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف تحقيق كونه من الإيمان، وبيان معناه في باب: أمور الإيمان واضحا فراجعه منه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن قتيبة: معنى الحديث أن الحياء يمنع صاحبه من ركوب المعاصي كما يمنع منه الإيمان، فسمي إيمانا كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه، وفي الحديث التنبيه على الامتناع من قبائح الأمور ورذائلها، وكل ما يستحيا من فعله.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية