الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          باب التاء مع الراء

                                                          ( ترب ) ( س ) فيه : احثوا في وجوه المداحين التراب قيل أراد به الرد والخيبة ، كما يقال للطالب المردود والخائب : لم يحصل في كفه غير التراب ، وقريب منه قوله صلى الله عليه وسلم : وللعاهر الحجر . وقيل أراد به التراب خاصة ، واستعمله المقداد على ظاهره ، وذلك أنه كان عند عثمان فجعل رجل يثني عليه ، وجعل المقداد يحثو في وجهه التراب ، فقال له عثمان : ما تفعل ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : احثوا في وجوه المداحين التراب وأراد بالمداحين الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه صناعة يستأكلون به الممدوح ، فأما من مدح على الفعل الحسن والأمر المحمود ترغيبا في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس بمداح ، وإن كان قد صار مادحا بما تكلم به من جميل القول .

                                                          * ومنه الحديث الآخر : إذا جاء من يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا يجوز حمله على الوجهين .

                                                          ( هـ ) وفيه : عليك بذات الدين تربت يداك ترب الرجل ، إذا افتقر ، أي لصق بالتراب . وأترب إذا استغنى ، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر به ، كما يقولون قاتله الله . وقيل معناها لله درك . وقيل أراد به المثل ليرى المأمور بذلك الجد وأنه إن خالفه فقد أساء . وقال بعضهم هو دعاء على الحقيقة ، فإنه قد قال لعائشة رضي الله عنها : تربت يمينك ; لأنه رأى الحاجة خيرا لها ، والأول الوجه ، ويعضده قوله : ( هـ ) في حديث خزيمة : " أنعم صباحا تربت يداك " فإن هذا دعاء له وترغيب في استعماله ما تقدمت الوصية به ، ألا تراه قال أنعم صباحا ، ثم عقبه بتربت يداك . وكثيرا ترد للعرب [ ص: 185 ] ألفاظ ظاهرها الذم ، وإنما يريدون بها المدح كقولهم : لا أب لك ولا أم لك ، وهوت أمه ، ولا أرض لك ونحو ذلك .

                                                          ( س ) ومنه حديث أنس : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا ولا فحاشا ، كان يقول لأحدنا عند المعاتبة : ترب جبينه قيل أراد به دعاء له بكثرة السجود .

                                                          ( س ) فأما قوله لبعض أصحابه : ترب نحرك فقتل الرجل شهيدا ، فإنه محمول على ظاهره .

                                                          * وفي حديث فاطمة بنت قيس : وأما معاوية فرجل ترب لا مال له أي فقير .

                                                          ( س ) وفي حديث علي : " لئن وليت بني أمية لأنفضنهم نفض القصاب التراب الوذمة " التراب جمع ترب تخفيف ترب ، يريد اللحوم التي تعفرت بسقوطها في التراب ، والوذمة المنقطعة الأوذام ، وهي السيور التي يشد بها عرى الدلو . قال الأصمعي : سألني شعبة عن هذا الحرف ، فقلت : ليس هو هكذا ، إنما هو نقض القصاب الوذام التربة ، وهي التي قد سقطت في التراب ، وقيل الكروش كلها تسمى تربة ; لأنها يحصل فيها التراب من المرتع ، والوذمة التي أخمل باطنها ، والكروش وذمة لأنها مخملة ويقال لخملها الوذم . ومعنى الحديث : لئن وليتهم لأطهرنهم من الدنس ، ولأطيبنهم بعد الخبث . وقيل أراد بالقصاب السبع ، والتراب أصل ذراع الشاة ، والسبع إذا أخذ الشاة قبض على ذلك المكان ثم نفضها .

                                                          ( هـ ) وفيه : خلق الله التربة يوم السبت يعني الأرض . والترب والتراب والتربة واحد ، إلا أنهم يطلقون التربة على التأنيث .

                                                          وفيه : أتربوا الكتاب فإنه أنجح للحاجة يقال أتربت الشيء إذا جعلت عليه التراب .

                                                          [ ص: 186 ] * وفيه ذكر : " التريبة " وهي أعلى صدر الإنسان تحت الذقن ، وجمعها الترائب .

                                                          ( س ) وفي حديث عائشة رضي الله عنها : " كنا بتربان " هو موضع كثير المياه ، بينه وبين المدينة نحو خمسة فراسخ .

                                                          * وفي حديث عمر رضي الله عنه ذكر : " تربة " ، وهو بضم التاء وفتح الراء : واد قرب مكة على يومين منها .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية