الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 441 ] 218 - الحديث الأول : عن عبد الله بن معقل قال : { جلست إلى كعب بن عجرة . فسألته عن الفدية ؟ فقال : نزلت في خاصة . وهي لكم عامة . حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي . فقال : ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى - أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى - أتجد شاة ؟ فقلت : لا . فقال : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع وفي رواية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بين ستة ، أو يهدي شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام } .

                                        التالي السابق


                                        الكلام عليه من وجوه :

                                        أحدها : " معقل " والد عبد الله - هذا - بفتح الميم وإسكان العين المهملة وكسر القاف . وعبد الله - هذا - هو ابن معقل بن مقرن - بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء المشددة المهملة - مزني كوفي ، يكنى أبا الوليد . متفق عليه وقال أحمد بن عبد الله فيه : كوفي تابعي ثقة ، من خيار التابعين . و " عجرة " بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء المهملة . " وكعب " ولده من بني سالم بن عوف . وقيل ، من بلي . وقيل : هو كعب بن عجرة بن أمية بن عدي مات سنة اثنتين وخمسين بالمدينة . وله خمس وسبعون سنة . متفق عليه .

                                        الثاني في الحديث دليل على جواز حلق الرأس لأذى القمل . وقاسوا عليه ما في معناه من الضرر والمرض .

                                        الثالث : قوله " نزلت في " يعني آية الفدية . قوله " خاصة " يريد اختصاص سبب النزول به . فإن اللفظ عام في الآية لقوله تعالى { فمن كان منكم مريضا } وهذه صيغة عموم .

                                        الرابع : قوله عليه السلام " ما كنت أرى " بضم الهمزة ، أي أظن . وقوله عليه السلام " بلغ بك ما أرى " بفتح الهمزة . يعني أشاهد . وهو من رؤية العين . [ ص: 442 ] و " الجهد " بفتح الجيم : هو المشقة . وأما الجهد - بضم الجيم - فهو الطاقة . ولا معنى لها ههنا ، إلا أن تكون الصيغتان بمعنى واحد .

                                        الخامس : قوله " أو أطعم ستة مساكين " تبيين لعدد المساكين الذين تصرف إليهم الصدقة المذكورة في الآية . وليس في الآية ذكر عددهم . وأبعد من قال من المتقدمين : إنه يطعم عشرة مساكين ، لمخالفة الحديث ، وكأنه قاسه على كفارة اليمين .

                                        السادس : قوله " لكل مسكين نصف صاع " بيان لمقدار الإطعام . ونقل عن بعضهم : أن نصف الصاع لكل مسكين : إنما هو في الحنطة . فأما التمر والشعير وغيرهما : فيجب لكل مسكين صاع . وعن أحمد رواية : أن لكل مسكين مد حنطة ، أو نصف صاع من غيرها . وقد ورد في بعض الروايات تعيين نصف الصاع من تمر .

                                        السابع : " الفرق " بفتح الراء ، وقد تسكن . وهو ثلاثة آصع . مفسر من الروايتين أعني هذه الرواية . وهي تقسيم الفرق على ثلاثة آصع . والرواية الأخرى : هو تعيين نصف الصاع من تمر لكل مسكين .

                                        الثامن : قوله " أو تهدي شاة " هو النسك المجمل في الآية . قال أصحاب الشافعي : هي الشاة التي تجزي في الأضحية .

                                        وقوله " أو صم ثلاثة أيام " تعيين الصوم المجمل في الآية . وأبعد من قال من المتقدمين : إن الصوم عشرة أيام ، لمخالفة هذا الحديث ولفظ الآية والحديث معا يقتضي التخيير بين هذه الخصال الثلاث - أعني الصيام والصدقة والنسك - ; لأن كلمة " أو " تقتضي التخيير .

                                        وقوله في الرواية " أتجد شاة ؟ فقلت : لا " فأمره أن يصوم ثلاثة أيام ، ليس المراد به : أن الصوم لا يجزي إلا عند عدم الهدي ، قيل : بل هو محمول على أنه سأل عن النسك ؟ فإن وجده أخبره بأنه يخيره بينه وبين الصيام والإطعام . وإن عدمه فهو مخير بين الصيام والإطعام .

                                        باب حرمة مكة




                                        الخدمات العلمية