الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا أقر المريض لابنه بدين وابنه نصراني أو وهب له أو أوصى له فأسلم الابن قبل موته بطل ذلك كله ) . أما الهبة والوصية فلما قلنا إنه وارث عند الموت وهما إيجابان عنده أو بعده ، والإقرار وإن كان ملزما بنفسه ولكن سبب الإرث وهو البنوة قائم وقت الإقرار فيعتبر في إيراث تهمة الإيثار ، بخلاف ما تقدم لأن سبب الإرث الزوجية وهي طارئة حتى لو كانت الزوجية قائمة وقت الإقرار وهي نصرانية ثم أسلمت قبل موته لا يصح الإقرار لقيام السبب حال صدوره ، وكذا لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق لما ذكرنا وذكر في كتاب الإقرار إن لم يكن عليه دين لأنه أقر لمولاه وهو أجنبي ، وإن كان عليه دين لا يصح لأنه إقرار له وهو ابنه ، والوصية باطلة لما ذكرنا أن المعتبر فيها وقت الموت .

وأما الهبة فيروى أنها تصح لأنها تمليك في الحال وهو رقيق ، وفي عامة الروايات هي في مرض الموت بمنزلة الوصية فلا تصح . قال ( والمقعد والمفلوج [ ص: 463 ] والأشل والمسلول إذا تطاول ذلك ولم يخف منه الموت فهبته من جميع المال ) لأنه إذا تقادم العهد صار طبعا من طباعه ولهذا لا يشتغل بالتداوي ، ولو صار صاحب فراش بعد ذلك فهو كمرض حادث ( وإن وهب عند ما أصابه ذلك ومات من أيامه فهو من الثلث إذا صار صاحب فراش ) لأنه يخاف منه الموت ولهذا يتداوى فيكون مرض الموت ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله وكذا لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق لما ذكرنا ) قال صاحب النهاية والعناية في شرح هذا المقام : أي لا تصح الوصية والهبة لأن الوصية مضافة إلى وقت الموت ، أما إذا أقر له بدين ثم أعتق قبل الموت لم يذكر هنا وذكر في كتاب الإقرار أنه إن لم يكن عليه : أي على العبد دين يصح ا هـ .

أقول : لا يخفى على ذي فطرة سليمة أن ما ذهبنا إليه في شرح هذا المقام مما يأباه سداد المعنى وانتظام الكلام ، فإنهما حملا قول المصنف وكذا لو كان الابن عبدا أو مكاتبا على عدم صحة الوصية والهبة فقط ، مع أن الظاهر من قوله المذكور عموم عدم الصحة للصور الثلاث المذكورة فيما قبل جميعا وهي الإقرار والهبة والوصية ، لأنه كان عاما لها في المسألة السابقة ، فانتظام إطلاق التشبيه في قوله وكذا لو كان الابن عبدا أو مكاتبا يقتضي العموم لهما في هذه المسألة أيضا سيما مع انضمام قوله لما ذكرنا إليها ، فإن ما ذكره من قبل من الدليل يدل على عدم الصحة في الصور الثلاث جميعا بلا ريب .

ثم إن قولهما أما إذا أقر له بدين ثم أعتق قبل الموت لم يذكر هنا ، إن أراد بذلك أن صورة الإقرار لم تذكر هنا بعينها صراحة فهو مسلم لكن صورتا الوصية والهبة أيضا لم تذكرا هنا بعينهما صراحة بل اندرجتا في إشارة [ ص: 463 ] قوله وكذا لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق فما معنى جعل هذه المسألة شاملة لصورتي الوصية والهبة دون صورة الإقرار ، وإن أراد بذلك أن صورة الإقرار لم تذكر هنا أصلا لا صراحة بعينها ولا اندراجا في إطلاق إشارة شيء فهو ممنوع ، فإن مسألتنا هذه مع ما قبلها من مسائل الجامع الصغير ولفظ الجامع الصغير هنا على ما نقل في غاية البيان هكذا : وقال في المريض أقر لابنه وهو نصراني بدين أو وهب له هبة فقبضها أو أوصى له وصية ثم أسلم الابن ثم مات الرجل قال ذلك كله باطل ، وكذلك لو كان الابن عبدا فأعتق في هذا ا هـ . ولا يذهب عليك أن صورة الإقرار وصورتي الوصية والهبة سيان في الاندراج تحت إطلاق إشارة قوله كذلك لو كان الابن عبدا فأعتق في هذا . فالحق أن مراد المصنف بقوله وكذا لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق لما ذكرنا هو أنه يبطل الإقرار والهبة والوصية كلها في هذه المسألة أيضا لدليل ما ذكرناه في المسألة السابقة ، وأن مراده بقوله وذكر في كتاب الإقرار إلى قوله قال والمقعد بيان أن في صورة الإقرار رواية للصحة أيضا ، وكذا في صورة الهبة ، وأما في صورة الوصية فلا رواية للصحة أصلا تبصر ترشد .




الخدمات العلمية