الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو قال كل لا أسلم حتى تسلم ففي قول يجبر هو ) لإمكان استرداد الصداق دون البضع ، ومن ثم لم يأت القول بإجبارها وحدها لفوات البضع عليها هنا دون المبيع ثم

                                                                                                                            ( وفي قول لا إجبار فمن سلم أجبر صاحبه ) لأن كلا وجب له حق وعليه حق فلم يجبر بإيفاء ما عليه دون ما له

                                                                                                                            ( والأظهر أنهما يجبران فيؤمر بوضعه عند عدل وتؤمر ) هي

                                                                                                                            ( بالتمكين فإذا سلمت ) وإن لم يطأ من غير امتناع منها

                                                                                                                            ( أعطاها العدل ) فإن امتنعت استرد منها

                                                                                                                            [ ص: 339 ] إذ ذلك هو العدل بينهما والعدل ليس نائبا عنها وإلا كان هو المجبر وحده وإلا نائبا عنه وإلا كانت هي المجبرة وحدها وإنما هو نائب الشرع لقطع الخصومة بينهما ، ويجوز كونه نائبا عنها لكنه ممنوع من تسليم المهر لها وهي ممنوعة من التصرف فيه قبل التمكين وأن يكون نائبا عنه ولا محظور في إجبارها لزوال العلة المقتضية لعدم إجبارها ، واختار البلقيني كونه نائبهما لتصريح أبي الطيب بأنه لو تلف في يده كان من ضمانها ، والأوجه خلافه ، وكونه من ضمانه نظير ما مر في عدل الرهن وليس هذا كالممتنع المذكور كما هو ظاهر ، فلو أصدقها تعليم نحو قرآن وطلب كل التسليم فالذي أفتيت به ولم أر فيه شيئا أنهما إن اتفقا على شيء فذاك وإلا فسخ الصداق ووجب مهر المثل فيسلمه لعدل وتؤمر بتسليم نفسها

                                                                                                                            ( ولو بادرت فمكنته طالبته ) بالمهر على كل قول لبذلها ما في وسعها

                                                                                                                            ( فإن لم يطأ ) ها

                                                                                                                            ( امتنعت حتى يسلم ) ها المهر لأن القبض هنا إنما هو بالوطء

                                                                                                                            ( وإن وطئ ) ها بتمكينها منه مختارة مكلفة ولو في الدبر

                                                                                                                            ( فلا ) تمتنع لسقوط حقها بوطئه ، أما لو أكرهها أو كانت غير مكلفة حال الوطء ثم كملت بعده كان لها الامتناع ويؤخذ منه أنها لو لم تمكنه إلا لظنها سلامة ما قبضته فخرج معيبا من غير تقصير منها في قبضه فلها الامتناع ، وبحث الأذرعي أن تمكين نحو الرتقاء من الاستمتاع كتمكين السليمة من الوطء فلها الامتناع قبله لا بعده ، وما في الكفاية من أنه لو سلم الولي المجنونة أو الصغيرة لمصلحة لا رجوع لها وإن كملت كما لو ترك الولي الشفعة لمصلحة ليس للمحجور عليه بعد كماله الأخذ بها مردود ، والفرق بينه وبين الشفعة لائح إذ هذا من تفويت حاصل وما فيها تفويت معدوم ، وقد تبين أن التسليم وقع على خلاف المصلحة ، أما لو سلمها بلا مصلحة لم يكن مانعا لها .

                                                                                                                            من الحبس بلا نزاع بل المحجور عليها بالسفه لو سلمت نفسها ورأى الولي خلافه فالأوجه أن له الرجوع وإن وطئت

                                                                                                                            ( ولو بادر ) الزوج

                                                                                                                            ( فسلم ) المهر

                                                                                                                            ( فلتمكن ) زوجها وجوبا إذا طلبه لأنه فعل ما عليه ،

                                                                                                                            ( فإن امتنعت ) أي الزوجة ولو

                                                                                                                            ( بلا عذر استرد إن قلنا إنه يجبر ) والأصح لا ، فيكون متبرعا بالتسليم فلا يسترد .

                                                                                                                            [ ص: 340 ] لا يقال أهمل المصنف محل التسليم لأنه معلوم من كلامه في النفقات ، ولو تزوج امرأة بالشام والعقد بغزة سلمت نفسها بغزة اعتبارا بمحل العقد ، فإن طلبها إلى مصر فنفقتها من الشام إلى غزة عليها ثم من غزة إلى مصر عليه ، وهل مؤنة الطريق من الشام إلى غزة عليه أم لا ؟ قال الحناطي في فتاويه : نعم ، وحكى الروياني فيه وجهين : أحدهما نعم لأنها خرجت بأمره .

                                                                                                                            والثاني لا لأن تمكينها إنما يحصل بغزة ، قال : وهذا أقيس وهو المعتمد

                                                                                                                            ( ولو استمهلت ) هي أو وليها

                                                                                                                            ( لتنظيف ونحوه ) كإزالة وسخ

                                                                                                                            ( أمهلت ) حتما وإن قبضت المهر للخبر المتفق عليه { لا تطرقوا النساء ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة } قال المتولي : فإذا منع الزوج الغائب أن يطرقها مغافصة فهنا أولى

                                                                                                                            ( ما ) أي زمنا

                                                                                                                            ( يراه قاض ) من يوم أو يومين

                                                                                                                            ( ولا يجاوز ثلاثة أيام ) لأن غرض التنظيف ينتهي فيها غالبا

                                                                                                                            ( لا ) لجهاز وسمن ولا

                                                                                                                            ( لينقطع حيض ) ونفاس وصوم وإحرام لإمكان التمتع بها في الجملة مع طول زمنها ، وقول الزركشي إن قياس ما ذكروه في الإمهال للتنظيف أن تمهل الحائض إذا لم تزد مدة حيضها على مدة التنظيف وصرح به في التتمة فيختص عدم إمهالها بما إذا كانت مدة الحيض تزيد على ثلاثة أيام وإلا فتمهل مردود

                                                                                                                            ( ولا تسلم صغيرة )

                                                                                                                            [ ص: 341 ] لا تحتمل الوطء

                                                                                                                            ( ولا مريضة ) وهزيلة بهزال عارض لا يطيقان الوطء ( حتى يزول مانع وطء ) لأنه ربما يحمله فرط الشهوة على الجماع فتتضرر به ، ويكره لولي صغيرة ولنحو مريضة التسليم قبل الإطاقة ، ويحرم وطؤها ما دامت لا تحتمله ، ويرجع فيه بشهادة أربع نسوة ، وتسلم له نحيفة لا بمرض عارض وإن لم تحتمل الجماع إذ لا غاية تنتظر وتمكنه مما عدا الوطء لا منه إن خافت إفضاءها ، ولو قال سلموها لي ولا أقربها أجيب وجوبا إلى تسليم مريضة لا صغيرة كما جرى عليه ابن المقري لكن بشرط أن يكون ثقة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لإمكان الاسترداد ) .

                                                                                                                            [ فرع ] طلب الزوج من الولي تسليم الزوجة فادعى أنها ماتت ، فالمصدق الزوج بيمينه لأن الأصل الحياة فلا يلزمه دفع المهر حتى يثبت موتها بالبينة ، ولا يلزمه مؤنة تجهيزها وإن ثبت بالبينة موتها لأن مؤنة التجهيز إنما تجب حيث تجب النفقة ، والنفقة لا تجب إلا بالتسليم ولم يحصل لأن الفرض أنه لم يثبت تسليم سابق ، وأما الإرث فهو تابع لثبوت الموت وإن لم يحصل تسليم ا هـ ( قوله : وإن لم يطأ ) أي ترك الوطء تركا ليس ناشئا من امتناع إلخ

                                                                                                                            [ ص: 339 ] قوله : إذ ذلك ) أي الاسترداد .

                                                                                                                            وقوله هو العدل : أي الإنصاف ( قوله : لقطع الخصومة بينهما ) وقيل نائبهما لقولهم : لو أخذ الحاكم الدين من الممتنع ملكه الغريم وتبرأ ذمة المأخوذ منه ا هـ حج ( قوله فالذي أفتيت به ) من كلام م ر ( قوله ووجب مهر المثل ) وقد يقال تجبر هي لأن رضاها بالتعليم الذي لا يحصل عادة إلا بعد مدة كالتأجيل ، وقد تقدم إجبارها فيه وإن حل الأجل ، وقد يجاب عن هذا بأن انتهاء الأجل معلوم فتمكنها المطالبة بعده وزمن التعليم لا غاية له فهي إذا مكنته قد يتساهل في التعليم فتطول المدة عليها بل ربما فات التعليم بذلك .

                                                                                                                            ونقل في الدرس عن شيخنا الزيادي الجزم بما قلناه ( قوله : وقع على خلاف المصلحة ) أي فلها بعد الكمال الامتناع ( قوله : ولو بلا عذر ) قد يقال اللائق بالمبالغة إنما هو عكس ذلك بأن يقول ولو بعذر فكان ينبغي للمصنف إسقاط

                                                                                                                            [ ص: 340 ] لا لفهم عدم العذر فيه بالأولى فتأمل ا هـ سم على حج ( قوله : لا يقال أهمل المصنف محل التسليم ) هو منزل الزوج والكلام هنا فيمن عقد عليها وهي ببلد العقد كالزوج فمؤنة وصولها للمنزل الذي يريده الزوج من تلك البلد عليها ا هـ حج .

                                                                                                                            قال سم عليه : ولو تزوج امرأة فزفت إلى الزوج في منزلها فدخل عليها بإذنها فلا أجرة لمدة سكنه ، وإن كانت سفيهة أو بالغة فسكنت ودخل عليها بإذن أهلها وهي ساكتة فعليه الأجرة لمدة إقامته معها لأنه لا ينسب إلى ساكت قول ولأن عدم المنع أعم من الإذن ، وكذلك لو استعمل الزوج أواني المرأة وهي ساكتة على جاري العادة تلزمه الأجرة ا هـ كلام الخادم ا هـ سم على حج ، وبقي ما لو كان المنزل لأهل الزوجة وأذنوا له في الدخول ولم يتعرضوا لأجرة ولا لعدمها ، وقياس ما ذكر في الزوجة وجوب الأجرة للعلة المذكورة ( قوله : من الشام إلى غزة عليها ) ظاهره وإن جهلت كونه بغزة كأن قبل له وكيله ببلد المرأة وظنت الزوج بها ( قوله : المغيبة ) أي من غاب زوجها وهي بضم الميم وكسر العين بعدها ياء خفيفة : قال في المصباح : وأغابت المرأة بالألف غاب زوجها فهي مغيب ومغيبة ( قوله : وإلا فتمهل مردود ) أي فلا تمهل ، وإن قل ( قوله ولا تسلم صغيرة ) قال في الروض وشرحه : فلو سلمت له صغيرة لا توطأ لم يلزمه تسليم المهر كالنفقة ، وإن سلمه عالما بحالها أو جاهلا ففي استرداده وجهان كالوجهين فيما لو امتنعت بلا عذر وقد بادر الزوج إلى تسليمه ذكره الأصل ، وقضيته ترجيح عدم استرداده ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            قال في الروض وشرحه أيضا : ومن أفضى امرأته بالوطء لم يعد إليه حتى تبرأ البرء الذي لو عاد لم يخدشها ، ولو ادعت عدم البرء كأن قالت لم يندمل الجرح فأنكر هو أو قال ولي الصغيرة لا تحتمل الوطء فأنكر الزوج عرضت على أربع نسوة ثقات فيهما أو رجلين محرمين للصغيرة وكالمحرمين الممسوحان ا هـ .

                                                                                                                            وقد يستشكل التخيير في الصغيرة بين النسوة والرجلين المحرمين بأن قياس المداواة امتناع المحرمين مع وجود النسوة ، إلا أن يفرق بأن المداواة تحتاج من تكرر النظر وغيره ما لا يحتاج إليه هنا فكان ما هنا أخف ، ثم قد يستشكل التقييد بالمحرمين بأن نظر الأجانب جائز لنحو حاجة الشهادة على الزنا والولادة وظاهره عدم التوقف

                                                                                                                            [ ص: 341 ] على فقد الغير ا هـ سم على حج ( قوله : ولا مريضة ) أي لا يجب تسليمها لقوله بعد ويكره لولي صغيرة إلخ ، ومحل عدم الوجوب إذا لم يطلبها الزوج بدليل قوله الآتي ولو قال سلموها لي ولا أقربها أجيب إلى تسليم مريضة إلخ ( قوله حتى يزول مانع وطء ) أي ولا نفقة لهما لعدم التمكين ، وينبغي أن مثلهما من استمهلت لنحو التنظيف وكل من عذرت في عدم التمكين ( قوله : إن خافت إفضاءها ) أي أو ما لا يحتمل من المشقة ا هـ سم على حج ( قوله : بشرط أن يكون ثقة ) أي فلا يشترط انتشار الذكر ولا إزالة بكارة الغوراء .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 339 ] قوله : إذ ذلك هو العدل ) تعليل للأظهر ( قوله : لزوال العلة ) يتأمل ( قوله : وليس هذا كالممتنع المذكور ) تبع في ذكر هذا العلامة حج ، لكنه لم يتقدم في كلامه ذكر الممتنع ، والعلامة المذكور ساق مقالة أخرى قبل اختيار البلقيني أنه نائبهما جميعا ، ونقل استدلال قائلها بقوله لو أخذ الدين من الممتنع ملكه الغريم وتبرأ ذمة المأخوذ منه فأراد هنا أن يفرق بين الزوج وبين الممتنع المذكور ( قوله : إذ هذا تفويت حاصل إلخ ) عبارته في حواشي شرح الروض : يفرق بأن الأخذ بها : أي بالشفعة تفويت معدوم فأشبه التحصيل فله تركه بالمصلحة ، ومسألتنا تفويت حاصل إذ البضع يقابله حق الحبس ، فإذا سلمها فقد فوت عليها حقها لا سيما حيث كان ممن لا يرى خلاص حقها منه . ا هـ . فليتأمل فيه على ما فيه من تحريف ( قوله : ولو ) إنما يظهر وجهها بالنسبة للأصح الآتي ولعله وطأ بها فليتأمل [ ص: 340 ] قوله : المغيبة ) هو بضم الميم وكسر المعجمة وبالتحتية المحففة وهي التي غاب عنها زوجها وفعلها أغاب ( قوله : من يوم أو يومين ) عبارة التحفة : من نحو يوم أو يومين . ا هـ .

                                                                                                                            فشملت الثلاثة أيضا ، ولا بد من ذلك لينسجم مع المتن كما لا يخفى ، فلعل لفظ نحو سقط من الكتبة [ ص: 341 ]

                                                                                                                            ( قوله : ويكره لولي صغيرة إلخ ) هذا هو المراد من المتن ومن ثم قال العلامة حج عقب قوله ولا مريضة : أي يكره الولي والأخيرتين : أي المريضة والهزيلة ذلك ( قوله : إن خافت إفضاءها ) أي أو ما لا يحتمل عادة .




                                                                                                                            الخدمات العلمية