الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : يحسن عدم السؤال عما في البيت : ولا تسألن عن ما عهدت وغض عن عوار إذا لم يذمم الشرع ترشد ( ولا تسألن عن ما ) أي عن الشيء الذي ( عهدته من متاع يسير ونفقة قليلة ) فإن التنقيب عن كل كثير وحقير من أخلاق أهل الحرص والشح .

وفي حديث أم زرع " قالت الخامسة : زوجي إن دخل فهد ، وإن خرج أسد ، ولا يسأل عما عهد " قال ابن الأنباري في قولها إن دخل فهد أي نام وغفل كالفهد لكثرة نومه ، يقال : أنوم من فهد . قال أبو عبيد : تصفه [ ص: 397 ] بكثرة النوم والغفلة على وجه المدح له .

وقولها : وإن خرج أسد تمدحه بالشجاعة أي صار كالأسد ، يقال : أسد الرجل واستأسد إذا صار كذلك . وقولها : ولا يسأل عما عهد ، أي لا يفتش عما رأى في البيت وعرف . قال أبو عبيد : لا يتفقد ما ذهب من ماله ، ولا يلتفت إلى معايب البيت وما فيه ، فكأنه ساه عن ذلك . قال القاضي عياض في كتابه شرح حديث أم زرع عن قول أبي عبيد ما قال : هذا يقتضي تفسيرين لعهد ، أحدهما عهد قبل فهو يرجع إلى تفقد المال ، والثاني : عهد الآن فهو بمعنى الإغضاء عن المعايب والاحتمال .

وقد ورد مثل هذا عن نبينا صلى الله عليه وسلم في وصف علي رضي الله عنه وذم من كان بخلافه ، فروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : { إن الله يبغض الذواق المطلاق الذي أراه لا يأكل ما وجد ، ويسأل عما فقد ، وهو عند أهله كالأسد ، وكان خارجا كالثعلب ، لكن علي لفاطمة يأكل ما وجد ، ولا يسأل عما فقد ، وهو عندها كالثعلب ، وخارجا كالأسد } .

قال القاضي عياض : والأولى أن يكون ذكر فهد هذا على معنى الاستعارة ، جعلت كثرة تغافله كالنوم ، والله أعلم . ولا سيما وقد وصف الفهد بالحياء وقلة الشره ، وهذه كلها خلق مدح وهي راجعة إلى ما أشار إليه أبو عبيد . ومما يبينه قولها ، ولا يسأل عما عهد .

وتلمح الناظم رحمه الله هذا المعنى مع أمثاله وأضعافه من كلام النبوة والعلماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية