الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1429 99 - حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا أبو أسامة قال: أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأسد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة؛ لأن ابن اللتبية كان عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم لما جاء من عمله أخذ عنه الحساب، وأبو أسامة اسمه حماد بن أسامة، وأبو حميد -بضم الحاء المهملة - قيل: اسمه عبد الرحمن. وقيل: المنذر. وقيل: إنه عم سهل بن سعد.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرج البخاري طرفا منه في كتاب الجمعة في (باب من قال في الخطبة بعد التشهد: أما بعد) حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة عن أبي حميد الساعدي أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عشية بعد الصلاة فتشهد، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه في الهبة، عن عبد الله بن محمد، وفي الأحكام عن علي بن عبد الله، وفي النذور عن أبي اليمان عن شعيب، وفي الجمعة كذلك، وفي ترك الحيل عن عبيد الله بن إسماعيل، وفي الأحكام عن محمد بن عبدة.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو بن محمد الناقد وابن أبي عمر. وعن [ ص: 105 ] إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد، وعن ابن أبي شيبة، عن عبد الرحيم بن سليمان.

                                                                                                                                                                                  وعن أبي كريب وعبدة بن سليمان وعبد الله بن نمير وأبي معاوية، وعن ابن أبي عمرو عن إسحاق بن إبراهيم.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود في الخراج عن أبي الطاهر بن السرح ومحمد بن أحمد كلاهما عن سفيان بن عيينة عن الزهري.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: "من الأسد" بفتح الهمزة وسكون السين المهملة، قال التيمي: الأسد والأزد يتعاقبان، قال الرشاطي: الأسدي بسكون السين في كهلان هو الأسد بن الغوث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان.

                                                                                                                                                                                  وقال أيضا: الأزدي في كهلان ينسب إلى الأزد بن الغوث، ثم قال: يقال له: الأزد بالزاي والأسد بالسين.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يدعى ابن اللتبية" بضم اللام وسكون التاء المثناة من فوق، بعدها الباء الموحدة، واسمه عبد الله، وكان من بني لتب حي من الأزد.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن دريد: قيل: إن اللتبية كانت أمه، فعرف بها.

                                                                                                                                                                                  وقيل: اللتبية بفتح اللام، وفي (التوضيح) ويقال له: ابن الأتيبة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) اتفق العلماء على أن العامل على الصدقات هم السعاة المتولون قبض الصدقات، وأنهم لا يستحقون على قبضها جزأ منها معلوما سبعا أو ثمنا، وإنما له أجر عمله على حسب اجتهاد الإمام.

                                                                                                                                                                                  وفيه من الفقه: جواز محاسبة المؤتمن، وأن المحاسبة تصحح أمانته، وهو أصل فعل عمر رضي الله تعالى عنه في محاسبة العمال، وإنما فعل ذلك؛ لما رأى ما قالوه من كثرة الأرباح، وعلم أن ذلك من أجل سلطانهم، وسلطانهم إنما كان بالمسلمين، فرأى مقاسمة أموالهم واقتدى بقوله صلى الله عليه وسلم: "أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فيرى أيهدى له شيء أم لا" ومعناه: لولا الإمارة لم يهد له شيء، وهذا اجتهاد من عمر رضي الله تعالى عنه، وإنما أخذ منهم ما أخذ لبيت مال المسلمين لا لنفسه.

                                                                                                                                                                                  وفيه أيضا أن العالم إذا رأى متأولا أخطأ في تأويله يعم الناس ضرره أن يعلم الناس كافة بموضع خطئه، ويعرفهم بالحجة القاطعة لتأويله كما فعل صلى الله عليه وسلم بابن اللتبية في خطبته للناس.

                                                                                                                                                                                  وفيه توبيخ المخطئ وتقديم الأدنين إلى الإمارة والأمانة والعمل، وثم من هو أعلى منه وأفقه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قدم ابن اللتبية وثمة من صحابته من هو أفضل منه.

                                                                                                                                                                                  قال ابن بطال: وفيه أن لمن شغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية