الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولا تنكح المرتابة وإن أوفت عدتها ؛ لأنها لا تدري ما عدتها فإن نكحت لم يفسخ ووقفناه ، فإن برئت من الحمل فهو ثابت وقد أساءت ، وإن وضعت بطل النكاح ( قال المزني ) رحمه الله : جعل الحامل تحيض ولم يجعل لحيضها معنى يعتد به كما تكون التي لم تحض تعتد بالشهور ، فإذا حدث الحيض كانت العدة بالحيض والشهور كما كانت تمر عليها وليست بعدة ، وكذلك الحيض يمر عليها وليس كل حيض عدة كما ليس كل شهور عدة " . قال الماوردي : أما المرتابة فهي التي تمضي في أقرائها وهي مرتابة بحملها لما تجده من غلظ وتحس به من نقل وهي ممنوعة من النكاح بعد انقضاء عدتها حتى تزول ريبتها ، فإن نكحت قال الشافعي هاهنا لم يفسخ النكاح ووقفناه ، فإن برئت من الحمل فهو ثابت وقد أساءت وإن وضعت بطل النكاح . وقال في موضع آخر إن نكحت المرتابة فنكاحها باطل ، وليس ذلك على قولين كما وهم فيه بعض أصحابنا وإنما هو على اختلاف حالين واختلف أصحابنا في اختلاف حالتها على وجهين : أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي سعيد الإصطخري وأبي علي بن خيران : الموضع الذي أبطل فيه نكاحها إذا كانت الريبة موجودة قبل انقضاء عدتها والموضع الذي وقف فيه نكاحها إذا أحدثت الريبة بعد انقضاء عدتها ؛ لأن العدة موضوعة لاستبراء الرحم ، ووجود الريبة فيها تمنع من استبرائها ، فلم يجز أن يحكم بانقضائها ؛ فلذلك بطل نكاحها لأنها في حكم الباقية في عدتها وإن انقضت أقراؤها [ ص: 201 ] وإذا صدقت الريبة بعد العدة فقد تقدمها الحكم بانقضاء العدة فلم تنقض لمظنون مجوز ، وإن كان النكاح موقوفا على ما تحقق من حال الحمل كالحاكم إذا اجتهد ، ثم بان له ما هو أولى من اجتهاده الأول فإن كان قبل نفوذ الحكم به رجع عن الأول وحكم الثاني ، وإن كان بعد نفوذ الحكم به أمضى الحكم بالاجتهاد الأول ولم يبعضه فإن بان له مخالفة النص نقضه . والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن سريج ، وأبي علي بن أبي هريرة أن اختلاف حالتهما محمول على غير ذلك ، وهو أن الموضع الذي يبطل فيه نكاحها إذا كانت الريبة موجودة قبل عقد النكاح ، والموضع الذي وقف فيه نكاحها إذا حدثت الريبة بعد عقد النكاح : لأن استبراءها قبل النكاح من حقوق الأول : لأن ولدها يلحق به إلى مدة أربع سنين من طلاقه فاستوى في حقه وجود الريبة قبل العدة وبعدها فلذلك بطل نكاحها واستبراؤها بعد النكاح في حق الثاني ؛ لأنه يلحق به ولدها إذا وضعته لستة أشهر فلذلك وقف نكاحها .

                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من اختلاف الوجهين ينزل لها منه ثلاثة أحوال : أحدها : ما كان نكاحها فيه باطلا ، وهو أن تكون الريبة موجودة قبل انقضاء العدة فلا يختلف أصحابنا في بطلان نكاحها ، سواء زالت الريبة أو تحققت بالولادة . والحال الثاني : ما كان نكاحها فيه موقوفا ، وهو أن تحدث الريبة بعد النكاح فلا يختلف أصحابنا أن عقد النكاح لا يبطل : لأنه عقد على الصحة في الظاهر فلم يبطل بالوهم لكن يكره له وطؤها حتى ينظر ما يكون من حال ريبتها ، فإن انفش الحمل كان النكاح على صحته ، وإن وضعت لستة أشهر من وقت العقد فالولد للثاني ، والنكاح على صحته ، وإن وضعته لأقل من ستة أشهر فهو للأول ، والنكاح حينئذ باطل . والحال الثالثة : ما كان نكاحها مختلفا فيه وهو أن تكون الريبة حادثة بعد انقضاء العدة ، وقبل نكاح الثاني ففي النكاح وجهان : أحدهما : باطل ، وهو قول من اعتبر الريبة قبل النكاح . والوجه الثاني : موقوف ، وهو قول من اعتبر الريبة قبل العدة . فإن قيل : كيف يكون النكاح على مذهب الشافعي موقوفا وعقد النكاح عنده لا يقف على الإجازة ، ولا ينعقد إلا على فساد أو صحة ؟ قيل : إنما جعل موقوفا على الفسخ لا على الإجازة والإمضاء كما يوقف نكاح الوثنيين إذا أسلم أحدهما على الفسخ دون الإمضاء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية