الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1432 (بسم الله الرحمن الرحيم)

                                                                                                                                                                                  (أبواب صدقة الفطر)

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذه أبواب صدقة الفطر، وفي بعض النسخ "صدقة الفطر" بدون قوله: "أبواب" والتقدير فيه أيضا: أبواب صدقة الفطر أو باب صدقة الفطر، وإضافة الصدقة إلى الفطر من إضافة الشيء إلى شرطه كحجة الإسلام.

                                                                                                                                                                                  وقيل: أضيفت الصدقة إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن قتيبة: المراد بصدقة الفطر صدقة النفوس، مأخوذ من الفطرة التي هي أصل الخلقة، والأول أظهر، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق الحديث: "زكاة الفطر من رمضان" ثم اعلم أن هذا الباب يحتاج إلى خمس عشرة معرفة.

                                                                                                                                                                                  الأولى: معرفة صدقة الفطر لغة وشرعا. فقال النووي: هي لفظة مولدة لا عربية ولا معربة، بل هي اصطلاحية للفقهاء، كأنها من الفطرة التي هي النفوس والخلقة، أي: زكاة الخلقة، ذكرها صاحب (الحاوي) والمنذري.

                                                                                                                                                                                  (قلت): ولو قيل: "لفظة إسلامية" كان أولى؛ لأنها ما عرفت إلا في الإسلام، ويؤيد هذا ما ذكره ابن العربي: هو اسمها على لسان صاحب الشرع، ويقال لها: صدقة الفطر وزكاة الفطر وزكاة رمضان وزكاة الصوم، وفي حديث ابن عباس: "صدقة الصوم" وفي حديث أبي هريرة: "صدقة رمضان" وتسمى أيضا "صدقة الرؤوس" و"زكاة الأبدان" سماها الإمام مالك رحمه الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  أما شرعا فإنها اسم لما يعطى من المال بطريق الصلة؛ ترحما مقدرا، بخلاف الهبة، فإنها تعطى صلة؛ تكرما لا ترحما، ذكره في (المحيط).

                                                                                                                                                                                  الثانية: معرفة وجوبها، فبأحاديث الباب على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  الثالثة: معرفة سبب وجوبها، فهو رأس يمونه مؤنة تامة، ويلي عليه ولاية تامة؛ لما في الحديث: "عمن تمونون".

                                                                                                                                                                                  الرابعة: معرفة شرط وجوبها، فالإسلام والحرية والغنى على ما يأتي بالخلاف فيه.

                                                                                                                                                                                  الخامسة: معرفة ركنها فالتمليك.

                                                                                                                                                                                  السادس: معرفة شرط جوازها، بكون المصرف إليه فقيرا.

                                                                                                                                                                                  السابعة: معرفة من تجب عليه، فتجب على الأب عن أولاده الصغار الفقراء، وعلى السيد عن عبده ومدبره ومدبرته وأم ولده.

                                                                                                                                                                                  الثامنة: معرفة الذي تجب من أجله، فأولاده الصغار ومماليكه للخدمة دون مكاتبه وزوجته.

                                                                                                                                                                                  التاسعة: معرفة مقدار الواجب فيها، فنصف صاع من بر أو صاع من شعير أو تمر على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  العاشرة: معرفة الكيل الذي تجب به فهو الصاع، وسنذكر الاختلاف فيه.

                                                                                                                                                                                  الحادية عشرة: معرفة وقت وجوبها، فوقته طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر. وفيه [ ص: 108 ] الخلاف على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  الثانية عشرة: معرفة كيفية وجوبها، فتجب وجوبا موسعا على الأصح.

                                                                                                                                                                                  الثالثة عشرة: معرفة وقت استحباب أدائها، فقد اتفقت الأئمة الأربعة في استحباب أدائها بعد فجر يوم الفطر قبل الذهاب إلى صلاة العيد.

                                                                                                                                                                                  الرابعة عشرة: معرفة جواز تقديمها على يوم الفطر، فعند أبي حنيفة يجوز تقديمها لسنة وسنتين.

                                                                                                                                                                                  وعن خلف بن أيوب: يجوز لشهر. وقيل: بيوم أو يومين.

                                                                                                                                                                                  الخامسة عشرة: معرفة وقت أدائها، فيوم الفطر من أوله إلى آخره، وبعده يجب القضاء عند بعض أصحابنا، والأصح أن يكون أداء



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية