الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال الواقدي : حدثنا ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . وحدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا أبا بكر أبشر هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض . فلما نزل إلى الأرض ، تغيب عني ساعة ثم طلع ، على ثناياه النقع يقول : " أتاك نصر الله إذ دعوته " .

                                                                                      وقال عكرمة ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ برأس فرسه ، عليه أداة الحرب . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال موسى بن يعقوب الزمعي : حدثني أبو الحويرث ، قال : حدثني محمد بن جبير بن مطعم أنه سمع عليا رضي الله عنه ، خطب الناس فقال : بينما أنا أمتح من قليب بدر إذ جاءت ريح شديدة لم أر مثلها ثم ذهبت ، ثم جاءت ريح شديدة كالتي قبلها ، فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة ، وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة ، وجاءت ريح ثالثة فيها إسرافيل في ألف . فلما هزم الله أعداءه حملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه ، فجرت بي ، فوقعت على عقبي ، فدعوت الله فأمسكت ، فلما استويت عليها طعنت بيدي هذه في القوم حتى اختضب هذا ، وأشار إلى إبطه . غريب ، وموسى فيه [ ص: 332 ] ضعف .

                                                                                      وقوله : " حملني على فرسه " لا يعرف إلا من هذا الوجه .

                                                                                      وقال يحيى بن بكير : حدثني محمد بن يحيى بن زكريا الحميري ، قال : حدثنا العلاء بن كثير ، قال : حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، قال : حدثني أبو أمامة بن سهل ، قال : قال أبي : يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوا في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا ، ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر ، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا .

                                                                                      وجاء في قوله تعالى : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ( 12 ) ) [ الأنفال ] ; ذكر الواقدي ، عن إبراهيم بن أبي حبيبة ; حدثه عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان الملك يتصور في صورة من يعرفون من الناس ، يثبتونهم ، فيقول : إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون : لو حملوا علينا ما ثبتنا . إلى غير ذلك من القول .

                                                                                      وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة ، عن علي ، قال : لما قدمنا المدينة ، أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخبر عن بدر . فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا ، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهي بئر فسبقنا المشركين إليها ، فوجدنا فيها [ ص: 333 ] رجلين : رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط . فأما القرشي فانفلت ، وأما مولى عقبة فأخذناه فجعلنا نقول له : كم القوم ؟ فيقول : هم والله كثير عددهم ، شديد بأسهم . فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه ، حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : كم القوم ؟ قال : هم والله كثير عددهم ، شديد بأسهم ، فجهد أن يخبره كم فأبى ، ثم سأله : كم ينحرون كل يوم من الجزور ؟ فقال : عشرة . فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم القوم ألف ، كل جزور بمئة وتبعها .

                                                                                      ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر ، فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها . وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض " . فلما طلع الفجر نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة جامعة . فجاء الناس من تحت الشجر والحجف والجرف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحض على القتال ، ثم قال : إن جمع قريش عند هذه الضلع الحمراء من الجبل . فلما دنا القوم منا وضايقناهم إذا رجل منهم يسير في القوم على جمل أحمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي ناد لي حمزة وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر ؟ وماذا يقول لهم ؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن يك في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر ، فجاء حمزة فقال : هو عتبة بن ربيعة ، وهو ينهى عن القتال ويقول : يا قوم إني أرى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير ، يا قوم أعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة ، وقد تعلمون أني لست [ ص: 334 ] بأجبنكم . فسمع بذلك أبو جهل فقال : أنت تقول هذا ؟ والله لو غيرك يقول هذا لأغضضته . قد ملئت جوفك رعبا ، فقال : إياي تعني يا مصفر استه ؟ ستعلم اليوم أينا أجبن ؟ فبرز عتبة وابنه الوليد وأخوه حمية ، فقال : من يبارز ؟ فخرج من الأنصار شببة ، فقال عتبة : لا نريد هؤلاء ، ولكن يبارزنا من بني عمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم يا علي ، قم يا حمزة ، قم يا عبيدة بن الحارث . فقتل الله عتبة ، وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وجرح عبيدة . فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين ، فجاء رجل من الأنصار قصير برجل من بني هاشم أسيرا فقال الرجل : إن هذا والله ما أسرني ، ولقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق ، ما أراه في القوم . فقال الأنصاري : أنا أسرته يا رسول الله . فقال : " اسكت " ، فقد أيدك الله بملك كريم " . قال : فأسر من بني عبد المطلب : العباس ، وعقيل ، ونوفل بن الحارث .

                                                                                      وقال إسحاق بن منصور السلولي : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : لقد قلوا في أعيننا يوم بدر ، حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة . فأسرنا رجلا فقلت : كم كنتم ؟ قال : ألفا .

                                                                                      وقال سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض . قال : يقول عمير بن الحمام الأنصاري : يا رسول الله عرضها السماوات والأرض ؟ فقال : نعم . قال : بخ بخ ! قال : ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها . قال . فإنك من أهلها .

                                                                                      [ ص: 335 ] فأخرج تميرات من قرنه فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة . فرمى بهن ، ثم قاتل حتى قتل
                                                                                      . أخرجه مسلم .

                                                                                      وقال عبد الرحمن بن الغسيل ، عن حمزة بن أبي أسيد ، عن أبيه ; قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اصطففنا يوم بدر : إذا أكثبوكم ; يعني : إذا غشوكم ، فارموهم بالنبل ، واستبقوا نبلكم . أخرجه البخاري .

                                                                                      وروى عمر بن عبد الله بن عروة ، عن عروة بن الزبير ، قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعار المهاجرين يوم بدر : يا بني عبد الرحمن ، وشعار الخزرج : يا بني عبد الله ، وشعار الأوس : يا بني عبيد الله . وسمى خيله : خيل الله .

                                                                                      أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام ، وابنة عمه ست الأهل بنت علوان سنة ثلاث وتسعين وآخرون قالوا : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الفقيه ، قال : أنبأتنا شهدة بنت أحمد ، قالت : أخبرنا الحسين بن طلحة ، قال : أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن مهدي ، قال : حدثنا الحسين بن إسماعيل ، قال : حدثنا محمود بن خداش ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو هاشم ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد ، قال : سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقسم قسما : ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ( 19 ) ) [ الحج ] ; أنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر : حمزة ، وعلي ، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم ، وعتبة ، وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة .

                                                                                      [ ص: 336 ] أخرجه البخاري عن يعقوب الدورقي ، وغيره ، ومسلم عن عمرو بن زرارة ، عن هشيم ، عن أبي هاشم يحيى بن دينار الرماني الواسطي ، عن أبي مجلز لاحق بن حميد السدوسي البصري ، وهو من الأبدال العوالي .

                                                                                      وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي ، أمه ثقفية ، وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين ، أسلم هو وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعون في وقت . وهاجر هو وأخواه الطفيل والحصين . وكان عبيدة كبير المنزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان مربوعا مليحا ، توفي بالصفراء . وهو الذي بارز عتبة بن ربيعة ، فاختلفا ضربتين ، كلاهما أثبت صاحبه ، كما تقدم . وقد جهزه النبي صلى الله عليه وسلم في ستين راكبا من المهاجرين أمره عليهم ; فكان أول لواء عقده النبي صلى الله عليه وسلم لواء عبيدة ، فالتقى بقريش وعليهم أبو سفيان عند ثنية المرة ، فكان أول قتال في الإسلام . قاله محمد بن إسحاق .

                                                                                      وقال ابن إسحاق وغيره عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن المستفتح يوم بدر أبو جهل ، قال لما التقى الجمعان : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه الغداة . فقتل ، ففيه أنزلت : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( 19 ) ) [ الأنفال ] .

                                                                                      وقال معاذ بن معاذ : حدثنا شعبة ، عن عبد الحميد صاحب الزيادي ، سمع أنسا يقول : قال أبو جهل : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( 32 ) ) [ ص: 337 ] [ الأنفال ] ، فنزلت : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( 33 ) ) [ الأنفال ] . متفق عليه .

                                                                                      وعن ابن عباس في قوله : ( وما لهم ألا يعذبهم الله ( 34 ) ) [ الأنفال ] ، قال : يوم بدر بالسيف . قاله عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عنه .

                                                                                      وبه عنه في قوله : ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ( 7 ) ) [ الأنفال ] قال : أقبلت عير أهل مكة تريد الشام كذا قال فبلغ أهل المدينة ذلك ، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير . فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير ، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين . وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم ، وأيسر شوكة وأحضر مغنما .

                                                                                      فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد القوم ، فكره المسلمون مسيرهم لشوكة القوم ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، وبينهم وبين الماء رملة دعصة ، فأصاب المسلمين ضعف شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم القنط يوسوسهم : تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله ، وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم كذا . فأنزل الله عليهم مطرا شديدا ، فشرب المسلمون وتطهروا ، فأذهب الله عنهم رجز الشيطان ، وصار الرمل ; يعني ملبدا . وأمدهم الله بألف من الملائكة . وجاء إبليس في جند من الشياطين ، معه رايته في صورة رجال بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال للمشركين : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ( 48 ) ) [ الأنفال ] فلما اصطف القوم قال أبو جهل :

                                                                                      [ ص: 338 ]

                                                                                      اللهم أولانا بالحق فانصره

                                                                                      .

                                                                                      ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال : يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا . فقال له جبريل : خذ قبضة من التراب . فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم ، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه ، فولوا مدبرين ، وأقبل جبريل إلى إبليس ، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين نزع يده وولى مدبرا وشيعته . فقال الرجل : يا سراقة ، أما زعمت أنك لنا جار ؟ قال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ( 48 ) ) [ الأنفال ] .

                                                                                      وقال يوسف بن الماجشون : أخبرنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، قال : إني لواقف يوم بدر في الصف ، فنظرت عن يميني وشمالي ، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما . فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما . فغمزني أحدهما فقال : يا عم أتعرف أبا جهل ؟ قلت : نعم ، وما حاجتك إليه ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا . فتعجبت لذلك ، فغمزني الآخر فقال لي مثلها . فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس ، فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكم الذي تسألان عنه . فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال : أيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما : أنا قتلته . فقال : هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا . قال : فنظر في السيفين ، فقال : كلاهما قتله . وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو ، والآخر معاذ بن عفراء . متفق عليه .

                                                                                      [ ص: 339 ] وقال زهير بن معاوية : حدثنا سليمان التيمي ، قال : حدثني أنس ، عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ينظر ما صنع أبو جهل ؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد . قال : أنت أبو جهل ؟ فأخذ بلحيته . فقال : هل فوق رجل قتلتموه ، أو قتله قومه ؟ أخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                      وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن عبد الله أنه أتى أبا جهل فقال : قد أخزاك الله . فقال : هل أعمد من رجل قتلتموه ؟ أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال عثام بن علي : حدثنا الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع ، وعليه بيضة ، ومعه سيف جيد ، ومعي سيف رث . فجعلت أنقف رأسه بسيفي ، وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة ، حتى ضعفت يده ، فأخذت سيفه ، فرفع رأسه فقال : على من كانت الدبرة ، لنا أو علينا ؟ ألست رويعينا بمكة ؟ قال : فقتلته . ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : قتلت أبا جهل . فقال : آلله الذي لا إله إلا هو ؟ فاستحلفني ثلاث مرار . ثم قام معي إليهم ، فدعا عليهم .

                                                                                      وروي نحوه عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق وفيه : فاستحلفني [ ص: 340 ] وقال : الله أكبر ، الحمد لله الذي صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، انطلق فأرنيه . فانطلقت فأريته . فقال : هذا فرعون هذه الأمة .

                                                                                      وروي عن أبي إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتله خر ساجدا .

                                                                                      وقال الواقدي : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرع ابني عفراء فقال : يرحم الله ابني عفراء ، فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر . فقيل : يا رسول الله ، ومن قتله معهما ؟ قال : الملائكة ، وابن مسعود قد شرك في قتله .

                                                                                      وقال أبو نعيم : حدثنا سلمة بن رجاء ، عن الشعثاء ، امرأة من بني أسد ، قالت : دخلت على عبد الله بن أبي أوفى ، فرأيته صلى الضحى ركعتين ، فقالت له امرأته : إنك صليت ركعتين . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ركعتين حين بشر بالفتح . وحين جيء برأس أبي جهل .

                                                                                      وقال مجالد ، عن الشعبي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني مررت ببدر ، فرأيت رجلا يخرج من الأرض ، فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب في الأرض ، ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك مرارا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة " .

                                                                                      وقال البخاري ومسلم من حديث ابن أبي عروبة ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنس ، عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش ، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث . وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال . فلما كان ببدر اليوم الثالث ، أمر براحلته فشد عليها ، ثم مشى ما تبعه أصحابه ، فقالوا :

                                                                                      [ ص: 341 ] ما نراه إلا ينطلق لبعض حاجته ، حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فقال عمر : يا رسول الله ، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ؟ فقال : والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم
                                                                                      .

                                                                                      قال قتادة : أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة . صحيح .

                                                                                      وقال هشام ، عن أبيه ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر ، فقال : إنهم ليسمعون ما أقول . قال عروة : فبلغ عائشة فقالت : ليس هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما قال : إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ، إنهم قد تبوؤوا مقاعدهم من جهنم ، إن الله يقول : ( إنك لا تسمع الموتى ( 80 ) ) [ النمل ] ( وما أنت بمسمع من في القبور ( 22 ) ) ( إن أنت إلا نذير ( 23 ) ) [ فاطر ] أخرجه البخاري .

                                                                                      ما روت عائشة لا ينافي ما روى ابن عمر وغيره ، فإن علمهم لا يمنع من سماعهم قوله عليه السلام ، وأما " إنك لا تسمع الموتى " ، فحق لأن الله أحياهم ذلك الوقت كما يحيي الميت لسؤال منكر ونكير .

                                                                                      وقال عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله : ( بدلوا نعمت الله كفرا ( 28 ) ) [ إبراهيم ] ; قال : هم كفار قريش . ( وأحلوا قومهم دار البوار ( 28 ) ) [ إبراهيم ] ; قال : النار يوم بدر . أخرجه البخاري .

                                                                                      [ ص: 342 ] وقال إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتلى قيل له : عليك العير ليس دونها شيء . فناداه العباس وهو في الوثاق : إنه لا يصلح لك . قال : لم ؟ قال : لأن الله عز وجل وعدك إحدى الطائفتين ، وقد أنجز لك ما وعدك . هذا إسناد صحيح ، رواه جعفر بن محمد بن شاكر ، عن أبي نعيم ، عنه .

                                                                                      وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني خبيب بن عبد الرحمن قال : ضرب خبيب بن عدي يوم بدر فمال شقه ، فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولامه ورده ، فانطبق .

                                                                                      أحمد بن الأزهر : حدثنا عبد الرازق ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس أو غيره قال : شهد عمير بن وهب الجمحي بدرا كافرا ، وكان في القتلى . فمر به رجل فوضع سيفه في بطنه ، فخرج من ظهره . فلما برد عليه الليل لحق بمكة فصح . فاجتمع هو وصفوان بن أمية فقال : لولا عيالي وديني لكنت الذي أقتل محمدا . فقال صفوان : وكيف تقتله ؟ قال : أنا رجل جريء الصدر جواد لا ألحق ، فأضربه وألحق بالجبل فلا أدرك . قال : عيالك في عيالي ودينك علي . فانطلق فشحذ سيفه وسمه ، وأتى المدينة ، فرآه عمر فقال للصحابة : احفظوا أنفسكم فإني أخاف عميرا إنه رجل فاتك ، ولا أدري ما جاء به . فأطاف المسلمون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء عمير ، متقلدا سيفه ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أنعم صباحا . قال : ما جاء بك يا عمير ؟ قال : حاجة . قال : فما بال السيف ؟ قال : قد حملناها يوم بدر فما أفلحت ولا أنجحت . قال : فما قولك لصفوان وأنت في الحجر ؟ وأخبره بالقصة . فقال عمير : قد كنت تحدثنا عن خبر السماء فنكذبك ، [ ص: 343 ] وأراك تعلم خبر الأرض . أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أعطني منك علما يعلم أهل مكة أني أسلمت . فأعطاه ، فقال عمر : لقد جاء عمير وإنه لأضل من خنزير ، ثم رجع وهو أحب إلي من ولدي .

                                                                                      وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثنا عكاشة الذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب ، فقال : قاتل بهذا . فلما أخذه هزه فعاد سيفا في يده ، طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة . فقاتل بها ، حتى فتح الله على رسوله ، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قتل في قتال أهل الردة وهو عنده ، وكان ذلك السيف يسمى القوي .

                                                                                      هكذا ذكره ابن إسحاق بلا سند .

                                                                                      وقد رواه الواقدي ، قال : حدثني عمر بن عثمان الجحشي ، عن أبيه ، عن عمته ، قالت : قال عكاشة بن محصن : انقطع سيفي يوم بدر ، فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا ، فإذا هو سيف أبيض طويل . فقاتلت به .

                                                                                      وقال الواقدي : حدثني أسامة بن زيد الليثي ، عن داود بن الحصين ، عن جماعة ، قالوا : انكسر سيف سلمة بن أسلم يوم بدر ، فبقي أعزل لا سلاح معه ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ، فقال : اضرب به . فإذا هو سيف جيد . فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية