الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإن قيل فكيف لم ينف الولد إذا أقرت أمه بانقضاء العدة ، ثم ولدت لأكثر من ستة أشهر بعد إقرارها ؟ قيل : لما أمكن أن تحيض وهي حامل فتقر بانقضاء العدة على الظاهر ، والحمل قائم لم ينقطع حق الولد بإقرارها بانقضاء العدة وألزمناه الأب ما أمكن أن يكون حملا منه وكان الذي يملك الرجعة ولا يملكها في ذلك سواء ؛ لأن كلتيهما تحلان بانقضاء للأزواج وقال في باب اجتماع العدتين والقافة : إن جاءت بولد لأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الأول إن كان يملك الرجعة دعا له القافة وإن كان لا يملك الرجعة فهو للثاني ( قال المزني ) رحمه الله : فجمع بين من له الرجعة عليها ومن لا رجعة له عليها في باب المدخول بها وفرق بينهما بأن تحل في باب اجتماع العدتين والله أعلم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في مطلقة أقرت بانقضاء عدتها بالشهور ، أو الأقراء [ ص: 214 ] في طلاق بائن أو رجعي ، ثم وضعت ولدا ، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق كان حقا بالزوج إجماعا ، وإن وضعته لستة أشهر فصاعدا أو إلى أربع سنين ، وهي خلية من زوج فمذهب الشافعي أنه لاحق بالمطلق ولا يكون إقرارها بانقضاء العدة مبطلا لنسبه . وقال أبو حنيفة : لا يلحق به وتابعه ابن سريج استدلالا بأن الحكم بانقضاء عدتها قد أباحها للأزواج فانقطعت به أسباب الأول فلو لحق به الولد لما كانت أسبابه منقطعة ، ولما كانت مباحة للأزواج ولنقضنا حكما قد نفذ على الصحة بأمر محتمل ومجوز وهذا كله غير جائز فامتنع به لحوق الولد . وتحريره قياسا : أنها أتت بولد بعد ارتفاع الفراش وانقطاع أحكامه فوجب أن لا يلحق به كما لو وضعته لأكثر من أربع سنين ؛ ولأنها مؤتمنة على عدتها ومصدقة في انقضائها فوجب أن لا يحكم بإبطالها من لم يتحقق كذبها اعتبارا بسائر الأمناء وفي لحوق الولد به تكذيب لها في انقضاء عدتها ؛ ولأنها أتت بعد انقضاء عدتها بحمل تمام فوجب أن لا يلحق به كما لو تزوجت ثم وضعته لتمام . قال ابن سريج : ولأنه لما انتفى عنه ولد أمته إذا وضعته لستة أشهر بعد استبرائها وجب أن ينتفي عنه حمل زوجته إذا وضعته لستة أشهر بعد عدتها . ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر معلوم أنه ليس الخبر مقصورا على أن تلده على فراشه ؛ لأنها لو ولدته بعد ارتفاع الفراش لأقل من ستة أشهر لحق به فدلك على أن المراد به أن يكون قد حملت به على فراشه ، وهذا الولد يمكن أن يكون قد حملت به على فراشه ، فوجب بظاهر الخبر أن يكون لاحقا به ، ولأن العدة تنقضي بالشهور تارة وبالأقراء تارة أخرى ثم وافقونا أن انقضاء عدتها بالشهور لا تمنع من لحوق الولد فكذلك إذا انقضت بالأقراء . ويتحرر من ذلك قياسان : أحدهما : أن كل ولد لحق بالإمكان إذا انقضت العدة بالشهور لحق بالإمكان إذا انقضت العدة بالأقراء كالمولود لأقل من ستة أشهر . والثاني : أن كل ولد لحق لأقل من ستة أشهر بعد العدة جاز أن يلحق لأكثر من ستة أشهر بعد العدة كالمعتدة بالشهور ، ولأن الولد في الابتداء يلحق بالإمكان إذا وضعته لأقل الحمل فوجب أن يلحق في الانتهاء لإمكان إذا وضعته لأكثر الحمل [ ص: 215 ] ولأنها قد تحيض على الحمل فإذا أقرت بانقضاء العدة على الظاهر من حيضها لم يوجب إقرارها انتفاء النسب في حق ولدها وهو استدلال الشافعي . وتحريره قياسا : أنه إلحاق ولد بحكم الفراش فلم يختلف حكمه بإقرار المفترشة . أصله : إذا أقرت بما يتضمن نفي النسب مع بقاء الفراش . فأما الجواب عن استدلالهم بما حكم به من انقضاء عدتها ، وإباحتها للأزواج فلم تنقض بالجواز فمن وجهين : أحدهما : أننا حكمنا بانقضائها في الظاهر ، ثم حدث من حملها ما خالف الظاهر فجاز أن ينقضي كما لو ولدته لأقل من ستة أشهر . والثاني : أنه لما لم يمنع ذلك من نقضها إذا انقضت بالشهور لم يمنع من نقضها إذا انقضت بالأقراء ، وبمثله يجاب عن الاستدلال بقولهم : إنها مؤتمنة . وأما الجواب عن قياسهم : إذا تزوجت فهو أنه لما تقابل بعد تزويجها حكم فراش ثابت وحكم فراش زائل غلب أقواهما ، وهو الفراش الثابت فلحق به الولد وإذا لم تتزوج انفرد حكم الفراش الزائل فلحق به الولد . وأما الجواب عن الاستدلال بولد الأمة فهو أن يتزوج ، والمذهب فيه أن الشافعي قال فيه : إنه لا يلحق به إذا ولدته بعد ستة أشهر من استبرائها .

                                                                                                                                            وقالت في ولد الحرة : إنه يلحق به إذا ولدته بعد ستة أشهر من انقضاء عدتها ، فاختلف أصحابنا فكان ابن سريج يجمع بين الجوابين ويخرجها على اختلاف قولين : أحدهما : يلحق به ولد الحرة والأمة على ما نص عليه في ولد الحرة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يلحق به ولد الحرة والأمة على ما نص عليه في ولد الأمة ، فعلى هذه التسوية بطل الاستدلال . وقال سائر أصحابنا : إن الجواب محمول على ظاهر نصه فيه فيلحق به ولد الحرة بعد عدتها ولا يلحق به ولد الأمة بعد استبرائها ، والفرق بينهما أن ولد الحرة لحق في الابتداء بالإمكان فلحق في الانتهاء بالإمكان ، وولد الأمة لما لم يلحق في الابتداء بالإمكان حتى يعترف بالوطء لم يلحق في الانتهاء بالإمكان إذا ارتفع حكم الوطء ، ثم يقال لأبي حنيفة : أنت تلحق الولد مع عدم الإمكان ، وتنفيه مع وجود الإمكان فنقول : فيمن نكح في مجلس الحاكم وطلق فيه أن الولد لاحق به إذا ولد لستة أشهر والعلم محيط أنه ليس منه ، ونقول في المطلقة بعد العدة : إن الولد لا يلحق به إذا [ ص: 216 ] ولدته لستة أشهر وإن جاز أن يكون منه وفي هذا من الاستحالة وعكس المعقول ما يمنع من القول به . فأما قول الشافعي : وكان الذي يملك الرجعة ولا يملكها في ذلك سواء يعني في وضع الولد في نفيه عنه لأكثر من أربع سنين أم لا ؟ على قولين : أحدهما : وهو ظاهر كلامه هاهنا أنهما يستويان في نفي الولد عنه . والثاني : يفترقان فينفى عنه في البائن ويلحق به في الرجعي لما قدمناه من الفرق بينهما ، والله أعلم بالصواب . [ ص: 217 ] باب لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية