الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4639 4640 4641 4642 ص: وقد حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر، أن النبي -عليه السلام- قال: "تحروها ليلة سبع وعشرين -يعني ليلة القدر-".

                                                حدثنا بكر بن إدريس ، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عارم أبو النعمان، قال: ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر، أن النبي -عليه السلام- قال: "أرى رؤياكم قد تواطأت أنها ليلة السابعة في العشر الأواخر". .

                                                فقد يحتمل أن يكون هذا في عام بعينه، ويحتمل أن يكون في كل الأعوام كذلك، إلا أن ذلك كله على التحري لا على اليقين، وكذلك ما ذكرناه قبل هذا عن عبد الله بن أنيس مما أمره به رسول الله -عليه السلام- من ذلك يحتمل أن يكون ذلك على التحري من رسول الله -عليه السلام- لها في ذلك العام؛ لما قد كان أريه من وقتها الذي تكون فيه فأنسيها.

                                                فلم يكن في شيء من هذه الآثار ما يدلنا على ليلة القدر أي ليلة هي بعينها؟ غير أن في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -عليه السلام- قال له: "هي في العشر الأولى أو في العشر الأواخر من رمضان" إذ سأله عن وقتها، على ما قد ذكرناه في حديثه الذي [ ص: 246 ] رويناه عنه في أول هذا الباب، فنفى بذلك أن تكون في العشر الأوسط، وثبت أنها في أحد العشرين، إما في الأول وإما في الآخر.

                                                وفي هذا الحديث أيضا رجوع أبي ذر بالسؤال على رسول الله -عليه السلام- في أي العشرين، وجواب رسول الله -عليه السلام- إياه بأن يتحراها في العشر الأواخر.

                                                فنظرنا فيما روي في غير هذه الآثار هل فيه ما يدل على أنها في ليلة من هذين العشرين بعينها؟

                                                فإذا ابن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن الصنابحي ، عن بلال -رضي الله عنه-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين". .

                                                ففي هذا الحديث أنها في هذه الليلة بعينها.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما جاء عن ابن عمر عن النبي -عليه السلام-: "تحروها في السبع الأواخر من رمضان" كما مر ذكره في أول الباب، وجاء عنه أيضا: "تحروها ليلة سبع وعشرين"، وجاء عنه أيضا: "أنها في كل رمضان" وجب توجيه ذلك كله.

                                                أما قوله: "في كل رمضان" فقد مر الكلام فيه مستوفى.

                                                وأما قوله: "في السبع الأواخر" فهو متضمن لقوله: "ليلة سبع وعشرين" إلا أن قوله: "ليلة سبع وعشرين" فيه تعيين لذلك، ثم هذا يحتمل أن يكون في عام بعينه، ويحتمل أن يكون كذلك في كل الأعوام، ولكن كل ذلك على وجه التحري لا على وجه اليقين.

                                                وكذلك ما رواه عبد الله بن أنيس: "أنها ليلة ثلاث وعشرين" فيشمله ما رواه عبد الله بن عمر : "تحروها في السبع الأواخر" ويحتمل أن يكون ذلك على وجه التحري من رسول الله -عليه السلام- لليلة القدر في ذلك العام؛ لأجل أنه قد أريها في وقتها الذي تكون هي فيه، ولكنه أنسيها، فحينئذ لم يكن في شيء من الأحاديث المذكورة ما يدل على ليلة القدر أي ليلة هي بعينها، غير أنه جاء في [ ص: 247 ] حديث أبي ذر المذكور فيما مضى أن رسول الله -عليه السلام- قال له: "هي في العشر الأول أو في العشر الأواخر من رمضان" فهذا ينفي أن تكون في العشر الأوسط، ويثبت أنها في أحد العشرين: إما في العشر الأول، أو في العشر الآخر، فإذا كان كذلك؛ نحتاج إلى النظر في الآثار، هل روي فيها ما يدل على أنها في ليلة معينة من هذين العشرين، فنظرنا في ذلك فوجدنا حديث بلال -رضي الله عنه- يدل على أنها في ليلة معينة، وهي ليلة أربع وعشرين على ما يجيء، ووجدنا في حديث آخر عن أبي بن كعب: أنها ليلة سبع وعشرين، وكذا عن معاوية: أنها ليلة سبع وعشرين، وكل ذلك على التحري لا على اليقين، وقد ذكرنا من هذه الروايات المختلفة كلها محمولة على اختلاف الأعوام.

                                                ثم إنه أخرج حديث ابن عمر من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا يزيد بن هارون، أنا شعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين -يعني ليلة القدر-".

                                                الثاني: عن بكر بن إدريس بن الحجاج ، عن آدم بن أبي إياس شيخ البخاري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه الطيالسي في "مسنده" : عن شعبة ، عن عبد الله بن دينار ... إلى آخره.

                                                الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عارم أبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي شيخ البخاري ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب السختياني ، عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                [ ص: 248 ] وأخرجه البزار في "مسنده": عن محمد بن المثنى ، عن عبد الوهاب ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر نحوه.

                                                وأما حديث بلال: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن عبد الله بن يوسف التنيسي شيخ البخاري ، عن عبد الله بن لهيعة المصري فيه مقال، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري ، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري ، عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، ونسبته إلى صنابح بطن من مراد من اليمن، عن بلال بن رباح الحبشي -رضي الله عنه-.

                                                وأخرجه الطبراني : ثنا أبو مسلم الكشي، نا يحيى بن كثير الناجي، نا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ... إلى آخره نحو رواية الطحاوي سواء.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" موقوفا، ولكن في روايته: "ليلة ثلاث وعشرين".

                                                ثنا عبد الأعلى وابن نمير ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني ، عن الصنابحي قال: "سألت بلالا عن ليلة القدر، قال: ثلاث وعشرين".




                                                الخدمات العلمية