الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب الدعوى في شيء واحد من وجهين ) قال رحمه الله : دار في يد رجل ادعى رجل أن أباه مات ، وتركها ميراثا له منذ سنة جاء بشاهدين فشهدا أنه اشتراها من ذي اليد منذ سنتين لم تقبل هذه البينة ; لأن شرط قبول البينة تقديم الدعوى فإن حقوق العباد إنما يجب بقاؤها عند طلب صاحب الحق أو من يقوم مقامه ، وما شهد به شهوده لم يتقدم الدعوى به منه ، ولا يتمكن من أن يدعيه ; لأن دعواه الأول يناقض دعواه الثاني فإن بما ، ورثه عن أبيه منذ سنة لا يتصور أن يكون مشتريا له من ذي اليد منذ سنتين ، والتناقض يعدم ميراثا قد أكذب شهوده على الشراء فلهذا لا تقبل شهادتهم له ، وكذلك لو شهدوا بهبة أو صدقة له من ذي اليد منذ سنتين ، ولو كان المدعي ادعى أن ذي اليد تصدق بها عليه منذ سنة وشهد الشهود على الشراء منذ سنتين لم تقبل أيضا ; لأن بعد دعواه الأولى لا يمكنه دعوى الشراء منذ سنتين ; فلانعدام الدعوى أولا كذلك شهوده تمنع العمل بشهادتهم ، وكذلك لو ادعى الشراء أولا منذ سنة ، ثم أقام البينة على الصدقة منذ سنتين .

[ ص: 97 ] ولو ادعى الصدقة منذ سنة ، ثم أقام البينة على الشراء منذ شهر لم تقبل إلا أن يوفق فيقول جحدني الصدقة فاشتريتها منه فحينئذ يقضي بها له ; لأن من حيث الظاهر الشهادة مخالفة للدعوى إلا أن التوفيق ممكن فقد يجحد المتصدق الصدقة فيشتريها منه المتصدق عليه بعد ذلك فتقبل البينة عند التوفيق كما لو ادعى ألفا وشهد له الشهود بألف وخمسمائة لم تقبل إلا أن يوفق المدعي فيقول كان حقي ألفا ، وخمسمائة ، ولكني استوفيت منه خمسمائة ، ولم يعلم به الشهود بخلاف ما تقدم فإن هناك لا يمكنه أن يوفق فيقول جحدني الصدقة منذ سنة فاشتريتها منه منذ سنتين ، وكذلك لو ادعى الشراء منذ سنة ، ثم أقام البينة على الصدقة منذ شهر ، وقال جحدني الشراء فسألته فتصدق علي بها بعد ذلك فهذا توفيق صحيح ينعدم به التناقض ، وإكذاب الشهود .

وكذلك لو ادعى الميراث من أبيه منذ سنة وشهد الشهود على شرائها من ذي اليد منذ شهر فقال جحدني ذلك ، ولم يكن له بينة فاشتريتها منه منذ شهر فهذا توفيق صحيح .

وكذلك لو ادعى أمة في يدي رجل فقال اشتريتها منه بعبدي هذا منذ سنة ، ثم جاء بالبينة أنه اشتراها منذ سنة وجاء بشاهدين فشهدا أنه اشتراها منه بألف درهم مطلقا أو منذ شهر تقبل الشهادة إذا وفق أو قال حين جحدني الشراء بالعبد فاشتريتها بألف درهم بعدما قمنا من مجلسك أيها القاضي والبيع الثاني ينقض البيع الأول فيتمكن القاضي من القضاء بالعقد الذي شهدوا به عند هذا التوفيق ، ولو شهدوا أنه اشتراها بألف درهم منذ سنة أو أكثر لم أقبل شهادتهما ; لأن اختلاف اليد يوجب اختلاف العقد فالتوفيق غير ممكن إن شهدوا بالشراء منه منذ سنة ; لأنه لا تاريخ بين العقد المدعى ، والمشهود به ، وإن شهدوا بالشراء بألف منذ أكثر من سنة لا يتمكن القاضي من القضاء بالعقد الذي شهدوا به ; لأن العقد المدعى كان بعده بزعم المدعي ، وهو ينقض العقد الأول فلا يمكنه القضاء بالعقد المدعى ; لأن الحجة لم تقم به فلهذا لا تقبل الشهادة

التالي السابق


الخدمات العلمية