الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تكثيره عليه الصلاة والسلام السمن لأم سليم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا شيبان ، ثنا محمد بن زياد البرجمي ، عن [ ص: 629 ] أبي الظلال ، عن أنس عن أمه ، قال : كانت لها شاة فجمعت من سمنها في عكة ، فملأت العكة ثم بعثت بها مع ربيبة فقالت : يا ربيبة ، أبلغي هذه العكة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بها . فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سليم . قال : " فرغوا لها عكتها " . ففرغت العكة فدفعت إليها ، فانطلقت بها ، وجاءت وأم سليم ليست في البيت ، فعلقت العكة على وتد ، فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر ، فقالت أم سليم : يا ربيبة ، أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : قد فعلت ، فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانطلقت أم سليم ومعها ربيبة فقالت : يا رسول الله ، إني بعثت معها إليك بعكة فيها سمن . قال : " قد فعلت ، قد جاءت بها " . قالت : والذي بعثك بالحق ودين الحق ، إنها لممتلئة تقطر سمنا! قال : فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أم سليم ، أتعجبين أن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه ؟ كلي وأطعمي " قالت : فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا وكذا وكذا ، وتركت فيها ما ائتدمنا به شهرا أو شهرين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر في ذلك : قال البيهقي : أنا الحاكم ، أنا الأصم ، ثنا عباس الدوري ، ثنا علي بن بحر القطان ، ثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم [ ص: 630 ] الرماني ، عن يوسف بن خالد ، عن أوس بن خالد ، عن أم أوس البهزية قالت : سليت سمنا لي فجعلته في عكة ، فأهديته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله ، وترك في العكة قليلا ، ونفخ فيه ودعا بالبركة ، ثم قال : " ردوا عليها عكتها " . فردوها عليها وهي مملوءة سمنا . قالت : فظننت أن رسول الله صلى الله عليه سلم لم يقبلها ، فجاءت ولها صراخ ، فقالت : يا رسول الله ، إنما سليته لك لتأكله . فعلم أنه قد استجيب له ، فقال : " اذهبوا فقولوا لها فلتأكل سمنها وتدعو بالبركة " فأكلت بقية عمر النبي صلى الله عليه وسلم وولاية أبي بكر وولاية عمر ، وولاية عثمان ، حتى كان من أمر علي ومعاوية ما كان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : روى البيهقي ، عن الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير ، عن عبد الأعلى بن أبي المساور القرشي ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن أبي هريرة قال : كانت امرأة من دوس يقال لها : أم شريك . أسلمت في رمضان . فذكر الحديث في هجرتها وصحبة ذلك اليهودي لها ، وأنها عطشت ، فأبى أن يسقيها حتى تهود ، فنامت فرأت في النوم من يسقيها ، فاستيقظت وهي ريانة ، فلما جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم قصت عليه القصة ، فخطبها إلى نفسها ، فرأت نفسها أقل من ذلك ، وقالت : بل زوجني من شئت . فزوجها زيدا وأمر لها بثلاثين صاعا ، وقال : " كلوا ولا [ ص: 631 ] تكيلوا " . وكانت معها عكة سمن هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرت جاريتها أن تحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففرغت ، وأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ردتها أن تعلقها ولا توكئها ، فدخلت أم شريك ، فوجدتها ملأى ، فقالت للجارية : ألم آمرك أن تذهبي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : قد فعلت . فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم أن لا يوكئوها ، فلم تزل حتى أوكتها أم شريك ، ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شيء . .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : قال الطبراني : ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا يزيد بن يحيى بن يزيد الخزاعي أبو خالد ، ثنا أبو بكر بن محمد بن حمزة ، عن أبيه ، عن جده قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وكنت على خدمته ذلك السفر ، فنظرت إلى نحي السمن وقد قل ما فيه ، وهيأت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ، ووضعت النحي في الشمس ونمت ، فانتبهت بخرير النحي ، فقمت فأخذت برأسه بيدي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو تركته لسال واديا سمنا " حديث آخر في ذلك : قال الإمام أحمد : ثنا موسى ، ثنا ابن لهيعة ، ثنا أبو الزبير ، عن جابر ، أن البهزية أم مالك كانت تهدي في عكة لها سمنا للنبي صلى الله عليه وسلم فبينما بنوها يسألونها الإدام وليس عندها شيء ، فعمدت إلى نحيها التي [ ص: 632 ] كانت تهدي فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت فيه سمنا ، فما زال يقيم لها إدام بيتها حتى عصرته ، وأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أعصرتيه ؟ " فقالت : نعم . قال : " لو تركتيه ما زال ذلك مقيما " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم روى الإمام أحمد بهذا الإسناد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يستطعمه ، فأطعمه شطر وسق شعير ، فما زال الرجل يأكل منه هو وامرأته وضيف لهم حتى كالوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو لم تكيلوه لأكلتم منه ولقام لكم " وقد روى هذين الحديثين مسلم من وجه آخر ، عن أبي الزبير ، عن جابر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية