الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2067 حدثنا سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحق بن محمد بن الأشعث بن قيس قال حدثنا سفيان بن عيينة سمعته يذكره عن أبي فروة أنه سمع عبد الله بن عكيم قال كنا مع حذيفة بالمدائن فاستسقى حذيفة فجاءه دهقان بشراب في إناء من فضة فرماه به وقال إني أخبركم أني قد أمرته أن لا يسقيني فيه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تشربوا في إناء الذهب والفضة ولا تلبسوا الديباج والحرير فإنه لهم في الدنيا وهو لكم في الآخرة يوم القيامة وحدثناه ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أبي فروة الجهني قال سمعت عبد الله بن عكيم يقول كنا عند حذيفة بالمدائن فذكر نحوه ولم يذكر في الحديث يوم القيامة وحدثني عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان حدثنا ابن أبي نجيح أولا عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن حذيفة ثم حدثنا يزيد سمعه من ابن أبي ليلى عن حذيفة ثم حدثنا أبو فروة قال سمعت ابن عكيم فظننت أن ابن أبي ليلى إنما سمعه من ابن عكيم قال كنا مع حذيفة بالمدائن فذكر نحوه ولم يقل يوم القيامة وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن الحكم أنه سمع عبد الرحمن يعني ابن أبي ليلى قال شهدت حذيفة استسقى بالمدائن فأتاه إنسان بإناء من فضة فذكره بمعنى حديث ابن عكيم عن حذيفة وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي ح وحدثني عبد الرحمن بن بشر حدثنا بهز كلهم عن شعبة بمثل حديث معاذ وإسناده ولم يذكر أحد منهم في الحديث شهدت حذيفة غير معاذ وحده إنما قالوا إن حذيفة استسقى وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون كلاهما عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث من ذكرنا

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( فجاء دهقان ) هو بكسر الدال على المشهور ، وحكي ضمها ، ممن حكاه صاحب المشارق والمطالع ، وحكاهما القاضي في الشرح عن حكاية أبي عبيدة ، ووقع في نسخ صحاح الجوهري أو بعضها مفتوحا ، وهذا غريب ، وهو زعيم فلاحي العجم ، وقيل : زعيم القرية ورئيسها ، وهو بمعنى الأول ، وهو عجمي معرب ، قيل : النون فيه أصلية مأخوذ من الدهقنة وهي الرياسة ، وقيل : زائدة من الدهق وهو الامتلاء ، وذكره الجوهري في ( دهقن ) لكنه قال : إن جعلت نونه أصلية من قولهم : تدهقن الرجل صرفته ، لأنه فعلال ، وإن جعلته من الدهق لم تصرفه ، لأنه فعلان .

                                                                                                                قال القاضي : يحتمل أنه سمي به من جمع المال وملأ الأوعية منه . يقال : دهقت الماء ، وأدهقته إذا أفرغته ، ودهق لي دهقة من ماله أي أعطانيها ، وأدهقت الإناء أي ملأته . قالوا : يحتمل أن يكون من الدهقنة والدهمة ، وهي لين الطعام ، لأنهم يلينون طعامهم وعيشهم لسعة أيديهم وأحوالهم . وقيل : لحذقه ودهائه . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( إن حذيفة رماه بإناء الفضة حين جاءه بالشرب فيه ، وذكر أنه إنما رماه به لأنه كان نهاه قبل ذلك عنه ) فيه تحريم الشرب فيه ، وتعزير من ارتكب معصية لا سيما إن كان قد سبق نهيه عنها كقضية الدهقان مع حذيفة . وفيه أنه لا بأس أن يعزر الأمير بنفسه بعض مستحقي التعزير . وفيه أن الأمير والكبير إذا فعل شيئا صحيحا في نفس الأمر ، ولا يكون وجهه ظاهرا فينبغي أن ينبه على دليله وسبب فعله ذلك .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإنه لهم في الدنيا ، وهو لكم في الآخرة ) أي إن الكفار إنما يحصل لهم ذلك في الدنيا ، وأما الآخرة فما لهم فيها من نصيب . وأما المسلمون فلهم في الجنة الحرير والذهب ، وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . وليس في الحديث حجة لمن يقول : الكفار غير مخاطبين بالفروع لأنه لم يصرح فيه بإباحته لهم ، وإنما أخبر عن الواقع في العادة [ ص: 231 ] أنهم هم الذين يستعملونه في الدنيا ، وإن كان حراما عليهم كما هو حرام على المسلمين .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( وهو لكم في الآخرة يوم القيامة ) إنما جمع بينهما لأنه قد يظن أنه بمجرد موته صار في حكم الآخرة في هذا الإكرام ، فبين أنه إنما هو في يوم القيامة وبعده في الجنة أبدا . ويحتمل أن المراد أنه لكم في الآخرة من حين الموت ، ويستمر في الجنة أبدا .




                                                                                                                الخدمات العلمية