الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3814 4040 - حدثنا أحمد بن عثمان، حدثنا شريح - هو ابن مسلمة - حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن عتبة في ناس معهم، فانطلقوا حتى دنوا من الحصن، فقال لهم عبد الله بن عتيك: امكثوا أنتم حتى أنطلق أنا فأنظر. قال: فتلطفت أن أدخل الحصن، ففقدوا حمارا لهم. قال: فخرجوا بقبس يطلبونه. قال: فخشيت أن أعرف. قال: فغطيت رأسي كأني أقضي حاجة، ثم نادى صاحب الباب: من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه. فدخلت ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن، فتعشوا عند أبي رافع وتحدثوا حتى ذهبت ساعة من الليل، ثم رجعوا إلى بيوتهم، فلما هدأت الأصوات ولا أسمع حركة خرجت؟ قال: ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن، في كوة فأخذته ففتحت به باب الحصن. قال: قلت إن نذر بي القوم انطلقت على مهل، ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم، فغلقتها عليهم من ظاهر، ثم صعدت إلى أبي رافع في سلم، فإذا البيت مظلم قد طفئ سراجه، فلم أدر أين الرجل، فقلت: يا أبا رافع. قال: من هذا؟ قال: فعمدت نحو الصوت فأضربه، وصاح فلم تغن شيئا. قال: ثم جئت كأني أغيثه فقلت: ما لك يا أبا رافع؟ وغيرت صوتي. فقال: ألا أعجبك لأمك الويل؟! دخل علي رجل فضربني بالسيف. قال: فعمدت له أيضا فأضربه أخرى، فلم تغن شيئا، فصاح وقام أهله،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 136 ] قال: ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث، فإذا هو مستلق على ظهره، فأضع السيف في بطنه، ثم أنكفئ عليه حتى سمعت صوت العظم، ثم خرجت دهشا حتى أتيت السلم أريد أن أنزل، فأسقط منه فانخلعت رجلي فعصبتها، ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت: انطلقوا فبشروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية، فلما كان في وجه الصبح صعد الناعية فقال: أنعى أبا رافع. قال: فقمت أمشي ما بي قلبة، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبشرته.
                                                                                                                                                                                                                              [انظر: 3022 - فتح: 7 \ 341]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر فيه من حديث ابن أبي زائدة -وهو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الهمداني زكريا- الأعمى، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطا إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا وهو نائم فقتله.

                                                                                                                                                                                                                              ثم أخرجه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء، ومن حديث إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء، وقد سلف في الجهاد في باب قتل النائم المشرك، من الطريق الأول مطولا ومختصرا، وأسلفنا ثم الاختلاف في وقتها.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (تقنع) بثوبه: تغطى.

                                                                                                                                                                                                                              وعبد الله بن عتيك: هو ابن قيس بن الأسود بن مري بن كعب بن غنم، أخي كعب ابني سلمة، وبنو غنم بن سلمة حلفاء بني أخيه كعب بن سلمة.

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (ثم علق الأعاليق على ود) الأعاليق: بالعين المهملة: جمع أعليق وهو المصباح، ومعنى علقها: علق المصباح، كذا للأصيلي، وعلق وأعلق سواء. ولأبي ذر: الأغاليق بالمعجمة والصواب بالمهملة، وهو بالمعجمة ما يغلق به الباب، وكذا المغلوق بالضم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 137 ] والود: الوتد، والأقاليد: المفاتيح بلغة أهل اليمن، واحدها إقليد، والمقلد مفتاح كالمنخل وما تقلد به الكلأ.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وكان أبو رافع يسمر عنده) أي: يتحدث.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (في علالي له) يريد: في علو، وهو جمع علية، رهط الغرفة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (نذروا إلي) أصل الإنذار: الإعلام بالشيء الذي يحذر منه، فكل منذر معلم، وليس كل معلم منذرا، ويقال: أنذرته فنذر، أي: أعلمته فعلم.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فأهويت نحو الصوت) أي: أتيت نحوه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه) قال الخطابي: كذا هو ضبيب وما أراه محفوظا، وإنما هو ظبة السيف، وهو حد حرف السيف في طرفه، ويجمع على الظبات والظبين، وأما الضبيب فلا أدري له معنى يصح في هذا، وإنما هو من سيلان الدم من الفم، يقال: ضبت لثته ضبيبا ، وقال القاضي عياض: هو بالصاد المهملة لأبي ذر وكذا للحربي، وقال: أظنه طرفه، ورواية أبي زيد والنسفي بالضاد المعجمة وحرف طرف السيف وقال القابسي: المعروف فيه ضبة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فقال: أنعي أبا رافع) كذا هو ثابت. وقال ابن التين: قوله: أنعي أبا رافع، أي: أنعوه، قال: وهي لغة، ذكره الداودي وهو خبر الموت وكذا الناعي يقال له: نعى فلان ويقال نعي فلان -أي: أنعه وأنعاه- استعمل خبرا وأمرا.

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (فلما هدأت الأصوات) كذا هو بالهمزة، وذكره ابن التين

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 138 ] بغير همز، ثم قال: صوابه الهمز. (هدأت): سكنت ونام الناس.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله قبله: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في ناس معهم) كذا وقع (عبد الله بن عتبة) وصوابه: وعبد الله بن أنيس كما أسلفناه في الجهاد.

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (ثم انكفأ عليه) أي: انقلب.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (أتيت أصحابي أحجل) الحجل: أن يرفع رجلا ويقف على الأخرى من الفرح وقد يكون بالرجلين جميعا إلا أنه قفز وليس بشيء، قال الليث: الحجل مشي المقيد، وقال ابن فارس: حجل في مشيته إذا تبختر، قال: قال قوم: حجل في مشيته إذا مشى مشية المقيد يقارب خطوه مثل ما قدمناه عن الليث.

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (وما به قلبة) هو بفتح القاف واللام أي: ما به علة يقلب لها فينظر إليه، قاله ابن فارس . وقال الداودي: أصل هذه اللفظة داء يعتري الإبل يقال له: القلب فإذا ذهب عن البعير قيل: ما به قلبة. وصار ذلك يقال لكل من برأ من علة ولا علة به، وقال ابن فارس: القلاب يأخذ البعير والإنسان يشتكي قلبه ، وقد سلف أوضح من ذلك في الجهاد.

                                                                                                                                                                                                                              واعلم أن في الرواية الأولى أنه ضربه ضربة، ثم ضربه، ثم وضع السيف في بطنه وكذا في الثانية، وكذا سلف هناك في الجهاد، ولا تنافي خلاف ما ادعاه ابن التين أن في الرواية الأولى: ضربه ضربتين. وفي

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 139 ] حديثه الثاني ثلاثا وقد يسقط بعض الضربة في بعض الروايات. قال: والزيادة من الثقات مقبولة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في الأولى: (فانكسرت ساقي) وفي الأخرى: (فانخلعت رجلي) قال الداودي: وهذا اختلاف وقد يتجاوز أن يعبر عن أحدهما بالآخر; لأن الخلع هو زوال المفاصل من غير بينونة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فمسحها فكأنما لم أشتكها قط) وقال في الرواية الثانية: (فلما سمعت الناعية قمت أمشي وما بي قلبة) قال الداودي: إن كان هذا محفوظا فببركة دعائه - عليه السلام -،ولعله دعا لهم حين أرسلهم.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم علق الأعاليق على ود) وقال في الثانية: (ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة).

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في الأول أنه لما سمع الناعية انطلق إلى أصحابه فقال: (النجاء) فقد قتل الله أبا رافع فانتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثته.

                                                                                                                                                                                                                              وقال في الثاني: (إنه خرج يحجل فقال: انطلقوا فبشروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية) إلا أن يراد في الأولى أنه انطلق إلى أصحابه أي: أدركهم يسيرون، وفيه بعد.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية