الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2068 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها للناس يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر منها حلة فقال عمر يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر أخا له مشركا بمكة وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا يحيى بن سعيد كلهم عن عبيد الله ح وحدثني سويد بن سعيد حدثنا حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة كلاهما عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث مالك

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( رأى حلة سيراء ) هي بسين مهملة مكسورة ، ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة ، ثم راء ، ثم ألف ممدودة . وضبطوا الحلة هنا بالتنوين ، على أن سيراء صفة ، وبغير تنوين على الإضافة ، وهما وجهان مشهوران ، والمحققون ومتقنو العربية يختارون الإضافة . قال سيبويه : لم تأت فعلاء صفة ، وأكثر المحدثين ينونون . قال الخطابي : حلة سيراء كما قالوا : ناقة عشراء قالوا : هي برود [ ص: 232 ] يخالطها حرير ، وهي مضلعة بالحرير ، وكذا فسرها في الحديث في سنن أبي داود ، وكذا قاله الخليل والأصمعي وآخرون . قالوا : كأنها شبهت خطوطها بالستور ، وقال ابن شهاب : هي ثياب مضلعة بالقز ، وقيل : هي مختلفة الألوان ، وقال : هي وشي من حرير ، وقيل : إنها حرير محض .

                                                                                                                وقد ذكر مسلم في الرواية الأخرى ( حلة من إستبرق ) ، وفي الأخرى ( من ديباج أو حرير ) ، وفي رواية ( حلة سندس ) ، فهذه الألفاظ تبين أن هذه الحلة كانت حريرا محضا ، وهو الصحيح الذي يتعين القول به في هذا الحديث جمعا بين الروايات ، ولأنها هي المحرمة . أما المختلط من حرير وغيره فلا يحرم إلا أن يكون الحرير أكثر وزنا . والله أعلم .

                                                                                                                قال أهل اللغة : الحلة لا تكون إلا ثوبين ، وتكون غالبا إزارا ورداء .

                                                                                                                وفي حديث عمر في هذه الحلة دليل لتحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء ، وإباحة هديته ، وإباحة ثمنه ، وجواز إهداء المسلم إلى المشرك ثوبا وغيره ، واستحباب لباس أنفس ثيابه يوم الجمعة والعيد ، وعند لقاء الوفود ونحوهم ، وعرض المفضول على الفاضل ، والتابع على المتبوع ما يحتاج إليه من مصالحه التي قد لا يذكرها . وفيه صلة الأقارب والمعارف وإن كانوا كفارا ، وجواز البيع والشراء عند باب المسجد .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ) قيل معناه من لا نصيب له في الآخرة ، وقيل : من لا حرمة له ، وقيل من لا دين له . فعلى الأول يكون محمولا على الكفار ، وعلى القولين الأخيرين يتناول المسلم والكافر . والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 233 ] قوله : ( فكساها عمر أخا له مشركا بمكة ) هكذا رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية البخاري في كتاب قال : أرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم ، فهذا يدل على أنه أسلم بعد ذلك . وفي رواية في مسند أبي عوانة الإسفرايني : فكساها عمر أخا له من أمه من أهل مكة مشركا .

                                                                                                                وفي هذا دليل لجواز صلة الأقارب الكفار والإحسان إليهم ، وجواز الهدية إلى الكفار ، وفيه جواز إهداء ثياب الحرير إلى الرجال لأنها لا تتعين للبسهم ، وقد يتوهم متوهم أن فيه دليلا على أن رجال الكفار يجوز لهم لبس الحرير ، وهذا وهم باطل ، لأن الحديث إنما فيه الهدية إلى كافر ، وليس فيه الإذن له في لبسها ، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إلى عمر وعلي وأسامة رضي الله عنهم ، ولا يلزم منه إباحة لبسها لهم ، بل صرح صلى الله عليه وسلم بأنه إنما أعطاه لينتفع بها بغير اللبس ، والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع ، فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية