الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 391 ] غزوة أحد

                                                                                      " وكانت في شوال "

                                                                                      قال شيبان ، عن قتادة : واقع نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام المقبل بعد بدر في شوال ، يوم السبت لإحدى عشرة ليلة مضت من شوال . وكان أصحابه يومئذ سبعمائة ، والمشركون ألفين أو ما شاء الله من ذلك .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : للنصف من شوال .

                                                                                      وقال مالك : كان القتال يومئذ في أول النهار .

                                                                                      وقال بريد بن عبد الله ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : رأيت أني قد هززت سيفا فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت في رؤياي بقرا ، والله خير ، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد ، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا يوم بدر . أخرجاه .

                                                                                      وقال ابن وهب : أخبرني ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر ، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد . وذلك أنه لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها ، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا : تخرج بنا يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد ، [ ص: 392 ] ورجوا من الفضيلة أن يصيبوا ما أصاب أهل بدر . فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس أداته ، ثم ندموا وقالوا : يا رسول الله ، أقم فالرأي رأيك . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه . قالوا : وكان ما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلبس أداته : إني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة ، وأني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة ، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم ، ورأيت بقرا تذبح ، فبقر والله خير ، فبقر والله خير .

                                                                                      وقال يونس ، عن الزهري في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد ، قال : حتى إذا كان بالشوط من الجنانة ، انخزل عبد الله بن أبي بقريب من ثلث الجيش . ومضى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في سبعمائة . وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها ، وجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل .

                                                                                      وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وهم ألف ، والمشركون ثلاثة آلاف . فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ، ورجع عنه عبد الله بن أبي في ثلاثمائة ، فسقط في أيدي الطائفتين ، وهمتا أن تفشلا ، والطائفتان : بنو سلمة وبنو حارثة .

                                                                                      وقال ابن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر : ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ( 122 ) ) [ آل عمران ] ، بنو سلمة وبنو حارثة ، ما أحب لها لم تنزل لقوله ( والله وليهما ( 122 ) ) [ آل عمران ] . متفق عليه .

                                                                                      [ ص: 393 ] وقال شعبة ، عن عدي بن ثابت ، سمع عبد الله بن يزيد يحدث ، عن زيد بن ثابت ، قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ، رجع ناس خرجوا معه . فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين ، فرقة تقول : نقاتلهم ، وفرقة تقول : لا نقاتلهم . فنزلت ( فما لكم في المنافقين فئتين ( 88 ) ) [ النساء ] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة . متفق عليه .

                                                                                      وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ( 179 ) ) [ آل عمران ] ، قال ميزهم يوم أحد .

                                                                                      وقال البكائي ، عن ابن إسحاق ، قال : كان من حديث أحد ، كما حدثني الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر ، والحصين بن عبد الرحمن ، وغيرهم ، كل قد حدث بعض الحديث ، وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد ، أن كفار قريش لما أصيب منهم أصحاب القليب ، ورجع فلهم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بن حرب بالعير ، مشى عبد الله بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ، فكلموا أبا سفيان ومن كان له في تلك العير تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصاب منا . فاجتمعوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة .

                                                                                      [ ص: 394 ] وكان أبو عزة الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذا عيال وحاجة ، فقال : يا رسول الله ، إني فقير ذو عيال وحاجة ، فامنن علي . فقال له صفوان : يا أبا عزة ، إنك امرؤ شاعر ، فأعنا بلسانك فاخرج معنا ، فقال : إن محمدا قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه . قالوا : بلى ، فأعنا بنفسك ، فلك الله علي إن رجعت أن أعينك ، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر . فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة ، ويقول :

                                                                                      إيها بني عبد مناة الرزام أنتم حماة وأبوكم حام     لا تعدوني نصركم بعد العام
                                                                                      لا تسلموني لا يحل إسلام

                                                                                      وخرج مسافع بن عبد مناف الجمحي إلى بني مالك بن كنانة يدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول شعرا . ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له وحشي ، يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها ، فقال له : اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق . فخرجت قريش بحدها وحديدها وأحابيشها ومن تابعها ، وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة وأن لا يفروا . وخرج أبو سفيان ، وهو قائد الناس ، بهند بنت عتبة ، وخرج عكرمة بأم حكيم بنت الحارث بن هشام ، حتى نزلوا بعينين بجبل أحد ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا ، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام ، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها . وكان يكره الخروج إليهم . فقال رجال ممن فاته يوم بدر : يا رسول الله ، اخرج بنا إليهم لا يرون أنا جبنا عنهم . فلم يزالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل فلبس لأمته ، وذلك يوم [ ص: 395 ] الجمعة حين فرغ الناس من الصلاة . فذكر خروجه وانخزال ابن أبي بثلث الناس ، فاتبعهم عبد الله والد جابر ، يقول : أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم . قالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال . وقالت الأنصار : يا رسول الله ، ألا نستعين بحلفائنا من يهود ؟ قال : لا حاجة لنا فيهم . ومضى حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وقال : لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال . وتعبأ للقتال وهو في سبعمائة ، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير وهم خمسون رجلا ، فقال : انضحوا عنا الخيل بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا ، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك ، وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير . وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف معهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على الميمنة خالدا ، وعلى الميسرة عكرمة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية