الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال سلام بن مسكين ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مرطا أسود كان لعائشة ، وراية الأنصار يقال لها العقاب ، وعلى ميمنته علي ، وعلى ميسرته المنذر بن عمرو الساعدي ، والزبير بن العوام كان على الرجال ، ويقال المقداد بن الأسود ، وكان حمزة على القلب ، واللواء مع مصعب بن عمير ، فقتل ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عليا ، قال : ويقال : كانت له ثلاثة ألوية ، لواء إلى مصعب بن عمير للمهاجرين ، ولواء إلى علي ، ولواء إلى المنذر .

                                                                                      وقال ثابت ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد فقال : من يأخذ مني هذا السيف بحقه ؟ فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول : أنا ، أنا . فقال : من يأخذه بحقه ؟ فأحجم القوم ، فقال له أبو دجانة [ ص: 396 ] سماك : أنا آخذه بحقه . قال : فأخذه ففلق به هام المشركين . أخرجه مسلم .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة ، أخو بني ساعدة ، فقال : وما حقه ؟ قال : أن تضرب به في العدو حتى ينحني . قال : فأنا آخذه يا رسول الله . فأعطاه إياه ، وكان رجلا شجاعا يختال عند الحرب ، وكان إذا قاتل علم بعصابة له حمراء فاعتصب بها على رأسه ، ثم جعل يتبختر بين الصفين . فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رآه يتبختر : إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن .

                                                                                      وقال عمرو بن عاصم الكلابي : حدثني عبيد الله بن الوازع ، قال : حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن الزبير بن العوام ، قال : عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم أحد فقال : من يأخذه بحقه ؟ فقمت فقلت : أنا يا رسول الله . فأعرض عني ، ثم قال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال : أنا يا رسول الله ، فما حقه ؟ قال : أن لا تقتل به مسلما ولا تفر به عن كافر . قال : فدفعه إليه ، وكان إذا أراد القتال أعلم بعصابة ، فقلت : لأنظرن إليه كيف يصنع . قال : فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه وأفراه ، حتى انتهى إلى نسوة في سفح جبل معهن دفوف لهن ، فيهن امرأة وهي تقول :


                                                                                      نحن بنات طارق نمشي على النمارق     إن تقبلوا نعانق
                                                                                      أو تدبروا نفارق     فراق غير وامق

                                                                                      . [ ص: 397 ] قال : فأهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها ، ثم كف عنها . فلما انكشف القتال قلت له : كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة ثم لم تضربها . قال أكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقتل به امرأة .

                                                                                      وروى جعفر بن عبد الله بن أسلم ، مولى عمر ، عن معاوية بن معبد بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى أبا دجانة يتبختر : إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن .

                                                                                      وقال ابن إسحاق ، عن الزهري وغيره : إن رجلا من المشركين خرج يوم أحد ، فدعا إلى البراز ، فأحجم الناس عنه حتى دعا ثلاثا ، وهو على جمل له ، فقام إليه الزبير فوثب حتى استوى معه على بعيره ، ثم عانقه فاقتتلا فوق البعير جميعا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الذي يلي حضيض الأرض مقتول . فوقع المشرك ووقع عليه الزبير فذبحه . ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قرب الزبير فأجلسه على فخذه وقال : إن لكل نبي حواريا والزبير حواري .

                                                                                      قال ابن إسحاق : واقتتل الناس حتى حميت الحرب ، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وآخرون .

                                                                                      وقال زهير بن معاوية : حدثنا أبو إسحاق ، قال : سمعت البراء يحدث ، قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد ، وكانوا خمسين ، عبد الله بن جبير ، وقال : إذا رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، قال : فهزمهم . فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل [ ص: 398 ] قد بدت خلاخيلهن وسوقهن رافعات ثيابهن . فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة ، أي قوم ، الغنيمة ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ فقال عبد الله لهم : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة : فأتوهم فصرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين . فذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم . فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا . فأصابوا منا سبعين .

                                                                                      فقال أبو سفيان : أفي القوم محمد ؟ ثلاث مرات . فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه . ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة ، أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ ثم قال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ ثلاثا . ثم رجع إلى أصحابه فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا . فما مالك عمر نفسه أن قال : كذبت يا عدو الله ، إن الذين عددت لأحياء كلهم ، وقد بقي لك ما يسوؤك . فقال : يوم بيوم بدر والحرب سجال ، إنكم ستجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني . ثم أخذ يرتجز : اعل هبل ، اعل هبل .

                                                                                      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبوه ؟ قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : الله أعلى وأجل .

                                                                                      ثم قال : لنا العزى ولا عزى لكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . ألا تجيبوه ؟ قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم
                                                                                      . أخرجه البخاري .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية