الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وفاة سعد بن معاذ من سنة خمس

                                                                                      هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : أصيب سعد يوم الخندق ، رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة ، رماه في الأكحل ، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب . فلما رجع من الخندق ; وذكر الحديث ، وفيه قالت عائشة : ثم إن كلمه تحجر للبرء فقال : اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهد فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه ، اللهم فإني أظن أنك وضعت الحرب بيننا وبينهم ، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك ، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتي فيها . قال : فانفجر من لبته ، فلم يرعهم ومعهم في المسجد أهل خيمة من بني غفار إلا والدم يسيل إليهم ، فقالوا : يا أهل الخيمة ، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ؟ فإذا سعد جرحه يغذو فمات منها . متفق عليه .

                                                                                      وقال الليث : حدثني أبو الزبير ، عن جابر ، قال : رمي سعد يوم الأحزاب فقطعوا أكحله ، فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار ، فانتفخت يده ، فتركه ، فنزفه الدم فحسمه أخرى . فانتفخت يده ، فلما رأى ذلك قال : اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة . فاستمسك عرقه فما [ ص: 517 ] قطرت منه قطرة ، حتى نزلوا على حكم سعد ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم ، قال : وكانوا أربعمائة . فلما فرغ من قتلهم ، انفتق عرقه فمات . حديث صحيح .

                                                                                      وقال ابن راهويه : حدثنا عمرو بن محمد القرشي ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا الذي تحرك له العرش - يعني سعد بن معاذ وشيع جنازته سبعون ألف ملك ، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه .

                                                                                      وقال سليمان التيمي ، عن الحسن : اهتز عرش الرحمن فرحا بروحه .

                                                                                      وقال يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن معاذ بن رفاعة ، عن جابر ، قال : جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من هذا العبد الصالح الذي مات ; فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش ؟ قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سعد بن معاذ ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره وهو يدفن ، فبينما هو جالس قال : سبحان الله مرتين فسبح القوم . ثم قال : الله أكبر الله أكبر ، فكبر القوم . فقال : عجبت لهذا العبد الصالح شدد عليه في قبره حتى كان هذا حين فرج له .

                                                                                      روى بعضه محمد بن إسحاق ، عن معاذ بن رفاعة ، قال : أخبرني [ ص: 518 ] محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح ، عن جابر :

                                                                                      وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني معاذ بن رفاعة الزرقي ، قال : أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل معتجرا بعمامة من إستبرق ، فقال : يا محمد من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش ؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه مبادرا إلى سعد بن معاذ فوجده قد قبض .

                                                                                      وقال البكائي ، عن ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن الحسن البصري ، قال : كان سعد رجلا بادنا ، فلما حمله الناس وجدوا له خفة . فقال رجال من المنافقين : والله إن كان لبادنا وما حملنا من جنازة أخف منه . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن له حملة غيركم ، والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد واهتز له العرش .

                                                                                      وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد : ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا ؟ فقالوا : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال : كان يقصر في بعض الطهور من البول .

                                                                                      وقال يزيد بن هارون : أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبيه ، عن جده ، عن عائشة ، قالت : خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس ، فسمعت وئيد الأرض ، تعني حس الأرض ، ورائي ، فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه . فجلست ، [ ص: 519 ] فمر سعد وهو يقول :


                                                                                      لبث قليلا يدرك الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل

                                                                                      قالت : وعليه درع قد خرجت منها أطرافه ، فتخوفت على أطرافه ، وكان من أطول الناس وأعظمهم . قالت : فاقتحمت حديقة ، فإذا فيها نفر فيهم عمر ، وفيهم رجل عليه مغفر . فقال لي عمر : ما جاء بك ؟ والله إنك لجريئة ، وما يؤمنك أن يكون تحوزا وبلاء . فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلت فيها . قالت : فرفع الرجل المغفر عن وجهه ، فإذا طلحة بن عبيد الله ، فقال : ويحك ، قد أكثرت وأين التحوز والفرار إلا إلى الله ؟ قالت : ويرمي سعدا رجل من قريش ، يقال له ابن العرقة ، بسهم ، فقال : خذها ، وأنا ابن العرقة . فأصاب أكحله . فدعا الله سعد فقال : اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظة . وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية . فرقأ كلمه وبعث الله الريح على المشركين . وساق الحديث بطوله . وفيه قالت : فانفجر كلمه وقد كان برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص . ورجع إلى قبته . قالت : وحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر . فإني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر ، وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله تعالى رحماء بينهم [ الفتح ] . قال : فقلت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ؟ قالت : كانت عيناه لا تدمع على أحد ولكنه إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته .

                                                                                      وقال حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، أن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى سعد بن معاذ فأتي به محمولا على حمار وهو مضنى من جرحه ، فقال له : أشر علي في هؤلاء . فقال : إني أعلم أن الله قد أمرك [ ص: 520 ] فيهم بأمر أنت فاعله . قال : أجل ، ولكن أشر علي فيهم . فقال : لو وليت أمرهم قتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم وقسمت أموالهم . فقال : والذي نفسي بيده لقد أشرت علي فيهم بالذي أمرني الله به .

                                                                                      وقال محمد بن سعد : أخبرنا خالد بن مخلد ، قال : حدثني محمد بن صالح التمار ، عن سعد بن إبراهيم ، سمع عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : لما حكم سعد بن معاذ في قريظة أن يقتل من جرت عليه الموسى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات .

                                                                                      وقال ابن سعد : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن رجل من الأنصار ، قال : لما قضى سعد في قريظة ثم رجع انفجر جرحه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فأخذ رأسه فوضعه في حجره ، وسجي بثوب أبيض إذا مد على وجهه بدت رجلاه ، وكان رجلا أبيض جسيما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إن سعدا قد جاهد في سبيلك وصدق رسولك وقضى الذي عليه ، فتقبل روحه بخير ما تقبلت روح رجل . فلما سمع سعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح عينيه ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أشهد أنك رسول الله . قال : وأمه تبكي وتقول :


                                                                                      ويل أم سعد سعدا     حزامة وجدا

                                                                                      فقيل لها : أتقولين الشعر على سعد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوها فغيرها من الشعراء أكذب
                                                                                      .

                                                                                      وقال عبد الرحمن بن الغسيل ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، قال : لما أصيب أكحل سعد حولوه عند امرأة يقال لها [ ص: 521 ] رفيدة ، وكانت تداوي الجرحى ، قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول : كيف أمسيت ؟ وإذا أصبح قال : كيف أصبحت ؟ فيخبره ، فذكر القصة . وقال : فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي إلى سعد ، فشكا ذلك إليه أصحابه ، فقال : إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة . فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت وهو يغسل ، وأمه تبكيه وتقول :


                                                                                      ويل أم سعد سعدا     حزامة وجدا

                                                                                      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل نائحة تكذب إلا أم سعد . ثم خرج به فقالوا : ما حملنا ميتا أخف منه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما يمنعكم أن يخف عليكم وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط ، قد حملوه معكم
                                                                                      .

                                                                                      وقال شعبة : أخبرني سماك بن حرب ، قال : سمعت عبد الله بن شداد يقول : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن معاذ وهو يكيد بنفسه فقال : جزاك الله خيرا من سيد قوم ، فقد أنجزت الله ما وعدته ولينجزنك الله ما وعدك .

                                                                                      وقال ابن نمير : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، قال : بلغني أنه شهد سعدا سبعون ألف ملك لم ينزلوا إلى الأرض .

                                                                                      رواه غيره : عن عبيد الله ، عن نافع ، فقال : عن ابن عمر .

                                                                                      وقال شبابة : أخبرنا أبو معشر ، عن المقبري ، قال : لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا قال : لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ولقد ضم ضمة اختلف منها أضلاعه من أثر البول .

                                                                                      وقال يزيد بن هارون : أخبرنا محمد بن عمرو ، عن محمد بن [ ص: 522 ] المنكدر ، عن محمد بن شرحبيل ، أن رجلا أخذ قبضة من تراب قبر سعد يوم دفن ، ففتحها بعد فإذا هي مسك .

                                                                                      وقال محمد بن موسى الفطري : أخبرنا معاذ بن رفاعة الزرقي ، قال : دفن سعد بن معاذ إلى أس دار عقيل بن أبي طالب . قال محمد بن عمرو بن علقمة : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ فجاءه جبريل ، أو قال : ملك فقال : من رجل من أمتك مات الليلة استبشر بموته أهل السماء ؟ قال : لا أعلمه ، إلا أن سعد بن معاذ أمسى قريبا ، ما فعل سعد ؟ قالوا : يا رسول الله قبض وجاء قومه فاحتملوه إلى دارهم . فصلى رسول الله بالناس الصبح ، ثم خرج وخرج الناس مشيا حتى إن شسوع نعالهم تقطع من أرجلهم ، وإن أرديتهم لتسقط من عواتقهم ، فقال قائل : يا رسول الله قد بتت الناس مشيا ، قال : أخشى أن تسبقنا إليه الملائكة كما سبقتنا إلى حنظلة .

                                                                                      شعبة : حدثنا سعد بن إبراهيم ، عن نافع ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن للقبر ضغطة ، ولو كان أحد ناجيا منها نجا منها سعد بن معاذ " .

                                                                                      شعبة : حدثني أبو إسحاق ، عن عمرو بن شرحبيل ، قال : لما انفجر جرح سعد بن معاذ التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعلت الدماء تسيل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء أبو بكر فقال : واكسر ظهرناه ، فقال : مه يا أبا بكر . ثم جاء [ ص: 523 ] عمر فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                      روى عقبة بن مكرم : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن نافع ، عن صفية بنت أبي عبيد ، عن عائشة ، مرفوعا : لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منها سعد . وقد تقدم هذا ، وما فيه صفية .

                                                                                      وليس هذا الضغط من عذاب القبر في شيء ، بل هو من روعات المؤمن كنزع روحه ، وكألمه من بكاء حميمه عليه ، وكروعته من هجوم ملكي الامتحان عليه ، وكروعته يوم الموقف وساعة ورود جهنم ، ونحو ذلك . نسأل الله أن يؤمن روعاتنا .

                                                                                      وقال يزيد بن هارون : أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبيه ، عن جده ، عن عائشة ، قالت : ما كان أحد أشد فقدا على المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أو أحدهما من سعد بن معاذ .

                                                                                      وقال الواقدي : أخبرنا عتبة بن جبيرة ، عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، قال : كان سعد بن معاذ أبيض طوالا ، جميلا ، حسن الوجه ، أعين ، حسن اللحية . فرمي يوم الخندق سنة خمس فمات منها ، وهو ابن سبع وثلاثين سنة . ودفن بالبقيع .

                                                                                      وقال أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اهتز عرش الله لموت سعد بن معاذ " .

                                                                                      وقال عوف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اهتز العرش لموت سعد بن معاذ " .

                                                                                      وقال يزيد بن هارون : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن إسحاق بن راشد ، عن امرأة من الأنصار يقال لها أسماء بنت يزيد بن السكن ، [ ص: 524 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم سعد بن معاذ : " ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك بأن ابنك أول من ضحك الله له واهتز له العرش ؟ "

                                                                                      وقال يوسف بن الماجشون ، عن أبيه ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن جدته رميثة أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أشاء أن أقبل الخاتم الذي بين كتفيه من قربي منه لفعلت يقول لسعد بن معاذ يوم مات : " اهتز له عرش الرحمن " .

                                                                                      وقال محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : اهتز العرش لحب لقاء الله سعدا . قال : إنما يعني السرير . قال : " ( ورفع أبويه على العرش ( 100 ) ) " [ يوسف ] قال : تفسخت أعواده . قال : ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره فاحتبس ، فلما خرج قيل له : يا رسول الله : ما حبسك ؟ قال : ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله يكشف عنه .

                                                                                      وقال الثوري وغيره ، عن أبي إسحاق ، عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثوب حرير ، فجعل أصحابه يتعجبون من لينه فقال : " إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة ألين من هذا " . متفق على صحته .

                                                                                      وقال يزيد بن هارون : أخبرنا محمد بن عمرو ، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ ، قال : دخلت على أنس بن مالك ; وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم ; فقال لي : من أنت ؟ قلت : أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ . فقال : إنك بسعد لشبيه ، ثم بكى فأكثر البكاء . ثم قال : يرحم الله سعدا ، كان من أعظم الناس وأطولهم ، ثم قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى أكيدر دومة ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة من ديباج [ ص: 525 ] منسوج فيها الذهب ، فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل الناس يمسحونها وينظرون إليها ، فقال : أتعجبون من هذه الجبة ؟ قالوا : يا رسول الله ما رأينا ثوبا قط أحسن منه ، قال : فوالله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن مما ترون .

                                                                                      قلت : هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ، ولقبه النبيت ، ابن مالك بن الأوس ; أخي الخزرج ; وهما ابنا حارثة بن عمرو ; ويدعى حارثة العنقاء ; وإليه جماع الأوس والخزرج أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكنى سعد أبا عمرو ، وأمه كبشة بنت رافع الأنصاري ، من المبايعات . أسلم هو وأسيد بن الحضير على يد مصعب بن عمير ، وكان مصعب قدم المدينة قبل العقبة الآخرة يدعو إلى الإسلام ويقرئ القرآن . فلما أسلم سعد لم يبق من بني عبد الأشهل - عشيرة سعد - أحد إلا أسلم يومئذ . ثم كان مصعب في دار سعد هو وأسعد بن زرارة ، يدعوان إلى الله . وكان سعد وأسعد ابني خالة . وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سعد بن معاذ وأبي عبيدة بن الجراح . قاله ابن إسحاق .

                                                                                      وقال الواقدي ، عن عبد الله بن جعفر ، عن سعد بن إبراهيم ، وغيره : آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن أبي وقاص .

                                                                                      شهد سعد بدرا ، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين ولى الناس .

                                                                                      وقال أبو نعيم : حدثنا إسماعيل بن مسلم العبدي : حدثنا أبو المتوكل ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الحمى ، فقال : من كانت به فهي حظه من النار . فسألها سعد بن معاذ ربه ، فلزمته فلم تفارقه حتى فارق الدنيا .

                                                                                      [ ص: 526 ] وكان لسعد من الولد : عمرو ، وعبد الله ، وأمهما : عمة أسيد بن الحضير هند بنت سماك من بني عبد الأشهل ، صحابية . وكان تزوجها أوس بن معاذ أخو سعد - وقتل عبد الله بن عمرو بن سعد - يوم الحرة .

                                                                                      وكان لعمرو من الولد : واقد بن عمرو ، وجماعة قيل إنهم تسعة .

                                                                                      وقتل عمرو أخو سعد بن معاذ يوم أحد ، وقتل ابن أخيهما الحارث بن أوس يومئذ شابا ، وقد شهدوا بدرا ، والحارث أصابه السيف ليلة قتلوا كعب بن الأشرف ، واحتمله أصحابه . وشهد بعد ذلك أحدا .

                                                                                      روى عن سعد بن معاذ : عبد الله بن مسعود قصته بمكة مع أمية بن خلف ، وذلك في صحيح البخاري .

                                                                                      وحصن بني قريظة على أميال من المدينة ، حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة .

                                                                                      واستشهد من المسلمين : خلاد بن سويد الأنصاري الخزرجي ، طرحت عليه رحى ، فشدخته .

                                                                                      ومات في مدة الحصار أبو سنان بن محصن ، بدري مهاجري ، وهو أخو عكاشة بن محصن الأسدي . شهد هو وابنه سنان بدرا . ودفن بمقبرة بني قريظة التي يتدافن بها من نزل دورهم من المسلمين ، وعاش أربعين سنة ، ومنهم من قال : بقي إلى أن بايع تحت الشجرة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية