الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر بناء بيت المقدس ، ووفاة داود ، عليه السلام

قيل : أصاب الناس في زمان داود طاعون جارف ، فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس ، وكان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء ، فلهذا قصده ليدعو فيه ، فلما وقف موضع الصخرة دعا الله تعالى في كشف الطاعون عنهم ، فاستجاب له ورفع الطاعون ، فاتخذوا ذلك الموضع مسجدا ، وكان الشروع في بنائه إحدى عشرة سنة مضت من ملكه ، وتوفي قبل أن يستتم بناءه ، وأوصى إلى سليمان بإتمامه وقتل القائد الذي قتل أخاه إيشى بن داود .

فلما توفي داود ، ودفنه سليمان ، تقدم بإنفاذ أمره ، فقتل القائد ، واستتم بناء المسجد ، بناه بالرخام ، وزخرفه بالذهب ، ورصعه بالجواهر ، وقوي على ذلك جميعه بالجن والشياطين ، فلما فرغ اتخذ ذلك اليوم عيدا عظيما ، وقرب قربانا ، فتقبله الله منه ، وكان ابتداؤه أولا ببناء المدينة ، فلما فرغ منها ابتدأ بعمارة المسجد ، وقد أكثر الناس في صفة البناء مما يستبعد ولا حاجة إلى ذكره .

وقيل : إن سليمان هو الذي ابتدأ بعمارة المسجد ، وكان داود أراد أن يبنيه فأوحى الله إليه : إن هذا بيت مقدس وإنك قد صبغت يدك في الدماء فلست ببانيه ، ولكن ابنك سليمان يبنيه لسلامته من الدماء . فلما ملك سليمان بناه .

ثم إن داود توفي وكان له جارية تغلق الأبواب كل ليلة وتأتيه بالمفاتيح فيقوم إلى عبادته ، فأغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلا فقالت : من أدخلك الدار ؟ فقال : أنا الذي أدخل على الملوك بغير إذن . فسمع داود قوله فقال : أنت ملك الموت ؟ قال : نعم . قال : فهلا أرسلت إلي لأستعد للموت ؟ قال : قد أرسلت إليك كثيرا . قال : من كان رسولك ؟ قال : أين أبوك ، وأخوك ، وجارك ، ومعارفك ؟ قال : ماتوا . قال : فهم كانوا رسلي إليك لأنك تموت كما ماتوا ! ثم قبضه . فلما مات ورث سليمان ملكه وعلمه ونبوته .

[ ص: 199 ] وكان له تسعة عشر ولدا ، فورثه سليمان دونهم . وكان عمر داود لما توفي مائة سنة ، صح ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت مدة ملكه أربعين سنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية