الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                القاعدة الخامسة :

                الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة

                من الأولى : مشروعية الإجارة ، والجعالة ، والحوالة ، ونحوها ، جوزت على خلاف القياس لما في الأولى من ورود العقد على منافع معدومة ، وفي الثانية من الجهالة ، وفي الثالثة من بيع الدين بالدين لعموم الحاجة إلى ذلك ، والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة .

                ومنها : ضمان الدرك ، جوز على خلاف القياس إذ البائع إذا باع ملك نفسه ، ليس ما أخذه من الثمن دينا عليه حتى يضمن . لكن لاحتياج الناس إلى معاملة . من لا يعرفونه ولا يؤمن خروج المبيع مستحقا .

                ومنها : مسألة الصلح وإباحة النظر ، للمعاملة ، ونحوها ، وغير ذلك .

                ومن الثانية : تضبيب الإناء بالفضة : يجوز للحاجة ولا يعتبر العجز عن غير الفضة ، لأنه يبيح أصل الإناء من النقدين قطعا بل المراد الأغراض المتعلقة بالتضبيب سوى التزيين : كإصلاح موضع الكسر والشد والتوثق .

                ومنها : الأكل من الغنيمة في دار الحرب ، جائز للحاجة ولا يشترط للآكل أن لا يكون معه غيره .

                تنبيه :

                من المشكل قول المنهاج : ويباح النظر لتعليم ، مع قولهم في الصداق : ولو أصدقها تعليم قرآن ، فطلق قبله ، تعذر تعليمه في الأصح .

                وأجاب السبكي : بأنه إنما تعذر ; لأن القرآن ، وإن أمكن تنصيفه من جهة [ ص: 89 ] الحروف ، والكلمات ، لكنه يختلف سهولة ، وصعوبة ، وتابعه في المهمات فقال : لأن القيام بتعليم نصف مشاع ، لا يمكن . والقول باستحقاق نصف معين : تحكم لا دليل عليه ويؤدي إلى النزاع : فإن السورة الواحدة مختلفة الآيات ، في الطول ، والقصر ، والصعوبة ، والسهولة ، فتعين البدل .

                واعترض هذا الجواب : بأنه خاص بالطلاق ، قبل الدخول ، وقد صرحوا بتعذر التعليم ، ولو طلق بعد الدخول والمستحق بعد الدخول : تعليم الكل .

                وأجاب الشيخ الإمام جلال الدين المحلي ; في شرح المنهاج : بأن ما ذكره النووي من إباحة النظر للتعليم : تفرد به ، وهو خاص بالأمرد ; لأنه لما حرم النظر إليه مطلقا ، ولو بلا شهوة ، استشعر أن يورد عليه أن الأمرد يحتاج إلى مخالطة الرجال للتعليم ، ويشق عليه الاحتجاب والتستر . وما زال السلف ، والعلماء على مخالطة المرد ومجالستهم وتعليمهم فاستثني النظر للتعليم لذلك .

                وأما المرأة : فلا تحتاج إلى التعليم : كاحتياج الأمرد .

                وأما الواجبات : فلا تعدم من يعلمها إياها : من محرم أو زوج أو غيره من وراء حجاب ، وكان شيخنا قاضي القضاة : شرف الدين المناوي يأبى هذا الجواب ويقول بعموم الإباحة للمرأة أيضا ; ويجيب عن مسألة الصداق : بأن المطلقة امتدت إليها الأطماع ، فناسب أن لا يؤذن في النظر إليها ، بخلاف غيرها .

                والتحقيق ما قاله الشيخ جلال الدين وقد أشار إلى نحو ما قاله السبكي ، فقال : قد كشفت كتب المذهب ; فإنما يظهر منها جواز النظر للتعليم ، فيما يجب تعلمه وتعليمه ; كالفاتحة ; وما يتعين من الصنائع بشرط التعذر من وراء حجاب . وأما غير ذلك ; فإن كلامهم يقتضي المنع ثم استشهد بالمذكور في الصداق .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية