الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. قال : ولو اشترى جارية على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام فولدت عنده في الثلاثة ولدا ، فادعاه المشتري صحت دعوته ; لأنه صار أحق بها حتى ينفذ عتقه فيها وفي ولدها فكذلك يثبت نسب الولد منه بالدعوة ويسقط خياره ; لأن الولد قد عتق وصارت أم ولد له فتعذر ردها بحكم الخيار فلهذا سقط خياره كما لو أعتقها ، ولو كان الخيار للبائع فادعى المشتري الولد فالبائع على خياره ; لأنها باقية على ملكه في مدة خياره فإن أجاز البيع أثبت النسب من المشتري كما لو جدد الدعوة بعد الإجازة فأنقض البائع البيع بطلت دعوة المشتري ; لأنه لم يملكها ، ولا ولدها ودعوة التحرير بمنزلة الإعتاق .

فإن ( قيل ) : أليس أنه لو أعتقها المشتري ، ثم أجاز البيع لم ينفذ عتقه فلماذا لا يجعل دعوة التحرير مثله ( قلنا ) : ذاك إن شاء العتق فإذا بطل لعدم تمام السبب في المحل لا ينفذ باعتبار ملك يحدث ، وهذا إقرار بالعتق فيتوقف على وجود الملك في المحل كمن أقر بحرية عبد إنسان ، ثم أخذ الرجل من الرجل أمتين على أنه بالخيار يأخذ أيتهما شاء بألف درهم فولدتا عنده ، وأقر بأنهما منه فإقراره صحيح في أحدهما وهو الذي تناوله البيع منهما ; لأن خيار المشتري لا يمنع صحة دعوته ، ولكن بالبيع تناول أحدهما بغير عينها ويتبين باختيار المشتري فيؤمر بالبيان بعد هذا إلا أنه قبل الاستيلاد كان متمكنا من ردها والآن لا يملك رد المشتراة لثبوت أمية الولد فيها فإن لم يتبين أيتهما أولى حتى مات فالبيان إلى الورثة ; لأنهم قائمون مقامه وعليهم بمن مات أصاب أم ولد للمشتري من تركته فكان بيانها إليهم فإن قالوا لا ندري أيتهما كان عتق نصف كل واحدة منهما ونصف ، ولدهما وتسعى كل واحدة منهما ومن ولدهما في نصف القيمة للبائع ; لأنه ليس لأحدهما ثبوت الحرية فيه ، ولا إحدى الأمتين لثبوت أمية الولد فيها بأولى من [ ص: 141 ] الأخرى فيسع فيهما ويجب على الورثة نصف ثمن كل واحد منهما من التركة ، وإن اختلفت الورثة في الأول منهما فالقول قول الأول منهم ; لأن كل واحد وارث قائم مقام مورثه لتمام علة الخلافة له فالذي قال منهم أولا هذه التي كانت استولدها المشتري أولا تعينت للاستيلاد ووجب قيمتها في التركة ، وتعينت الأخرى للرد وترد هي وولدها إلى البائع ، واستدل فيه بحديث فروة بن عمير قال زوج أبي عبدا له يقال له كيسان أمة له فولدت فادعاه ، ثم مات أبي فكتب إلي عثمان رضي الله عنه أن يوافي بأبي الموسم فكتب إليه أن أبي قد مات فكتب أن ابعثوا بابنه إلي فذهب به إليه فقال ما يقول ابن كيسان فقلت قد ادعاه أبي فإن كان صدق فقد صدق ، وإن كان كذب فقد كذب فقال لو قلت غيرها لأوجعتك ، وأعتقه بالدعوة ، وجعله ابن العبد بالفراش فيما يعلم أبو يوسف رحمه الله .

وإنما أورد هذا الحديث ليبين أن إقرار أحد الورثة بدعوة الأب كإقرار الأب به فكذلك تعيين أحد الورثة كتعيين الموروث بنفسه .

قال : مكاتب اشترى عبدا فادعاه المولى لم تجز دعوته فيه ; لأن دعوة التحرير كالإعتاق والمولى لا يملك إعتاق كسبه فلا تصح دعوته ، وكذلك لو اشترى الابن عبدا لم تجز دعوة الأب فيه لهذا قال زوج أمته عبده بشهود فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فهو ابن الزوج ; لأنها أتت به على فراشه ، وإن نفاه لم ينتف عنه ; لأن النسب متى يثبت بفراش النكاح لا ينقطع إلا باللعان ، ولا لعان بين المماليك ، ولو جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت نسبه من الزوج ; لأنا تيقنا أن العلوق سبق فراش النكاح ; لأن دعوة المولى استندت إلى حال العلوق فتبين أنه تزوجها ، وفي بطنها ولد ثابت النسب من المولى ، وكان النكاح باطلا ، ولو كان زوجها من عبد غيره بإذن مولاه أو من حر فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فادعاه المولى صدقه الزوج أو كذبه فهو ابن الزوج ; لأنها علقت في فراشه ولكنه يعتق على المولى بإقراره أنه ابنه ، وإن لم يثبت النسب وتكون أمه بمنزلة أم ولد له ; لأنه أقر لها بحق الحرية كما أقر الولد بحقيقة الحرية ، ولو زوجها ، ثم باعها ، ثم جاءت بالولد لستة أشهر بعد النكاح ; ولأقل من ستة أشهر بعد البيع فادعاه البائع أو المشتري لم يصدقا على ذلك لثبوت النسب من صاحب الفراش ، ولم يبطل البيع ; لأن دعوة النسب إذا لم تعمل في إثبات النسب كان بمنزلة الإقرار العتق ، وإقرار البائع بالعتق بعد البيع غير مقبول في إبطال البيع

التالي السابق


الخدمات العلمية