الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      فصل

                                                                                      فيمن ذكر أن مرحبا قتله محمد بن مسلمة

                                                                                      قال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم خيبر فوعظهم . وفيه : فخرج اليهود بعاديتها ، فقتل صاحب عادية اليهود فانقطعوا . وقتل محمد بن مسلمة الأشهلي مرحبا اليهودي .

                                                                                      [ ص: 70 ] وقال ابن لهيعة : حدثنا أبو الأسود ، عن عروة نحوه .

                                                                                      وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن سهل الحارثي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر ، قد جمع سلاحه وهو يرتجز ويقول : من يبارز ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لهذا ؟ " فقال محمد بن مسلمة : أنا له ، أنا والله الموتور الثائر ، قتلوا أخي بالأمس . قال : " قم إليه ، اللهم أعنه عليه " فلما تقاربا دخلت بينهما شجرة عمرية ، فجعل كل واحد منهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه ، حتى برز كل واحد منهما ، وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن ، ثم حمل على محمد فضربه فاتقاه بالدرقة ، فعضت بسيفه فأمسكته ، وضربه محمد حتى قتله ، فقيل : إنه ارتجز فقال :


                                                                                      قد علمت خيبر أني ماضي حلو إذا شئت وسم قاضي

                                                                                      وكان ارتجاز مرحب :


                                                                                      قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب
                                                                                      إذا الليوث أقبلت تلهب     واحجمت عن صولة المغلب
                                                                                      أطعن أحيانا وحينا أضرب     إن حماي للحمى لا يقرب

                                                                                      وقال الواقدي : حدثني محمد بن الفضل بن عبيد الله بن رافع بن خديج ، عن أبيه ، عن جابر ، قال : وحدثني زكريا بن زيد ، عن عبد الله بن أبي سفيان ، عن أبيه ، عن سلمة بن سلامة ، قال : وعن مجمع بن يعقوب ، عن أبيه ، عن مجمع بن جارية ، قالوا جميعا : إن محمد بن مسلمة قتل مرحبا .

                                                                                      [ ص: 71 ] وذكر الواقدي ، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة ، عن أبيه ، أن عليا حمل على مرحب فقطره على الباب ، وفتح علي الباب الآخر ، وكان للحصن بابان .

                                                                                      قال الواقدي : وقيل إن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ، فقال : أجهز علي يا محمد . فقال : ذق الموت كما ذاقه أخي محمود ، وجاوزه ، ومر به علي فضرب عنقه وأخذ سلبه . فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سلبه ، فأعطاه محمدا . وكان عند آل محمد بن مسلمة فيه كتاب لا يدرى ما هو ، حتى قرأه يهودي من يهود تيماء فإذا فيه : هذا سيف مرحب من يذقه يعطب .

                                                                                      قال الواقدي : حدثني محمد بن الفضل بن عبيد الله بن رافع ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : برز عامر وكان طوالا جسيما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين برز وطلع : " أترونه خمسة أذرع " ؟ وهو يدعو إلى البراز ; فبرز له علي فضربه ضربات ، كل ذلك لا يصنع شيئا ، حتى ضرب ساقيه فبرك ، ثم دفف عليه وأخذ سلاحه .

                                                                                      قال ابن إسحاق : ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، فبرز له الزبير فقتله .

                                                                                      وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة . ورواه موسى بن عقبة - واللفظ له - قال : ثم دخلوا حصنا لهم منيعا يدعى القموص ، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم قريبا من عشرين ليلة . وكانت أرضا وخمة شديدة الحر ، فجهد المسلمون جهدا شديدا ، فوجدوا أحمرة ليهود ، فذكر [ ص: 72 ] قصتها ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها . ثم قال : وجاء عبد حبشي من أهل خيبر كان في غنم لسيده ، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح ، سألهم ما تريدون ؟ قالوا : نقابل هذا الذي يزعم أنه نبي . فوقع في نفسه ، فأقبل بغنمه حتى عمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، وقال : ماذا لي ؟ قال : " الجنة " فقال : يا رسول الله إن هذه الغنم عندي أمانة . قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصباء فإن الله سيؤدي عنك أمانتك " ، ففعل ; فرجعت الغنم إلى سيدها . ووعظ النبي صلى الله عليه وسلم الناس ، إلى أن قال : وقتل من المسلمين العبد الأسود ، فاحتملوه فأدخل في فسطاط ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في الفسطاط ، ثم أقبل على أصحابه فقال : لقد أكرم الله هذا العبد ، وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين .

                                                                                      وقال ابن وهب : أخبرني حيوة بن شريح ، عن ابن الهاد ، عن شرحبيل بن سعد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر ، فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها ، فجاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ، فقال له الرجل : إني قد آمنت بك فكيف بالغنم فإنها أمانة ، وهي للناس الشاة والشاتان ، قال : احصب وجوهها ترجع إلى أهلها . فأخذ قبضة من حصباء أو تراب فرمى بها وجوهها ، فخرجت تشتد حتى دخلت كل شاة إلى أهلها . ثم تقدم إلى الصف ، فأصابه سهم فقتله . ولم يصل لله سجدة قط ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أدخلوه الخباء " فأدخل خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه ثم خرج فقال : " لقد حسن إسلام صاحبكم ، لقد دخلت عليه وإن عنده لزوجتين له من الحور العين " .

                                                                                      [ ص: 73 ] وهذا حديث حسن أو صحيح .

                                                                                      وقال مؤمل بن إسماعيل : حدثنا حماد ، قال : حدثنا ثابت ، عن أنس ، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أسود اللون ، قبيح الوجه ، منتن الريح ، لا مال لي ، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنة ؟ قال : " نعم " فتقدم فقاتل حتى قتل . فأتى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول ، فقال : " لقد أحسن الله وجهك وطيب روحك وكثر مالك " قال : وقال- لهذا أو لغيره - : " لقد رأيت زوجتيه من الحور العين ينازعانه جبته عنه ، يدخلان فيما بين جلده وجبته " . وهذا حديث صحيح .

                                                                                      وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن بعض أسلم ، أن بعض بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فقالوا : يا رسول الله ، والله لقد جهدنا وما بأيدينا شيء فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فقال : " اللهم إنك قد علمت حالهم وأنهم ليست لهم قوة وليس بيدي ما أعطيهم إياه ، فافتح عليهم أعظم حصن بها غنى ، أكثره طعاما وودكا . فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه . فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح ، وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم ، وكانا آخر حصون خيبر افتتاحا ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية