الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والإجابة [ ص: 371 ] إليها ) بناء على أنها سنة ( فرض عين ) لخبر مسلم { شر الطعام طعام الوليمة ، تدعى إليها الأغنياء وتترك الفقراء } { ومن لم يجب الدعوة } أي بفتح الدال ، وقول قطرب بضمها غلطوه فيه ، كذا قاله جمع ، وينافيه قول القاموس وتضم إلا أن يجاب بأن سبب التغليط أن قطرب يوجب الضم { فقد عصى الله ورسوله } والمراد وليمة العرس لأنها المعهودة عندهم ، وللخبر الصحيح { إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب } ولا تجب إجابة لغير وليمة عرس ومنه وليمة التسري كما هو ظاهر . وقيل تجب ، واختاره السبكي رحمه الله عليه لأخبار فيه ( وقيل ) فرض ( كفاية ) ويصح الرفع لأن القصد إظهار الحلال عن السفاح وهو حاصل بحصول البعض ، ويرد بفرض تسليم ما علل به بأنه يؤدي إلى التواكل ( وقيل سنة ) لأنه تمليك مال فلم يجب ، ويرد بأن الأكل سنة لا واجب . أما على أنها واجبة فتجب الإجابة إليها قطعا : أي بالشروط الآتية كما اقتضته عبارة الروضة ( وإنما ) ( تجب ) الإجابة على الصحيح ( أو تسن ) على مقابله أو عند فقد بعض شروط الوجوب أو في بقية الولائم ( بشرط ) ( أن ) يخصه بدعوة ولو بكتابة أو رسالة مع ثقة أو مميز لم يجرب عليه الكذب جازمة لا إن فتح بابه وقال ليحضر من شاء أو قال له أحضر إن شئت ما لم تظهر قرينة على جريان ذلك على وجه التأدب أو الاستعطاف مع ظهور رغبته في حضوره ، ويحمل عليه قول بعض الشراح أو قال له إن شئت أن تحملني لزمته الإجابة وأن يكون مسلما فلا تجب إجابة ذمي بل تسن إن رجي إسلامه أو كان نحو قريب أو جار ، وسيأتي في الجزية حرمة الميل إليه بالقلب ، ولا يلزم ذميا إجابة مسلم ، وأن لا يكون في مال الداعي شبهة أي قوية بأن يعلم أن في ماله حراما ولا يعلم عينه ، ولو لم يكن أكثر ماله حراما فيما يظهر خلافا لما يقتضيه كلام بعضهم من التقييد لكن يؤيده عدم كراهة معاملته والأكل معه إلا حينئذ ، ويرد بأنه يحتاط للوجوب ما لا يحتاط للكراهة لأنه لا يوجد الآن مال ينفك عن شبهة ، وأن لا تدعوه [ ص: 372 ] امرأة أجنبية

                                                                                                                            إلا إن كان ثم نحو محرم له أنثى يحتشمها أو لها وأذن زوج المزوجة وسن لها الوليمة وإلا لم تجب الإجابة وإن لم تكن خلوة محرمة خشية الفتنة ، ومن ثم لو كان كسفيان وهي كرابعة وجبت الإجابة ، والأوجه أن دعوتها أكثر من رجل كذلك ما لم يحصل جمع تحيل العادة معهم أدنى فتنة أو ريبة كما يعلم مما يأتي آخر العدد . ويتصور اتحاد الرجل مع اشتراط عموم الدعوة بأن لا يكون أولا يعرف ثم غيره ، بل يأتي في هذا ما يعلم منه أنه قد يتحد لقلة ما عنده ومن صور وليمة المرأة أن تولم عن الرجل بإذنه كذا قيل ، وفيه نظر ، إذ الذي يظهر حينئذ أن العبرة بدعوته لا بدعوتها لأن الوليمة صارت له بإذنه لها المقتضي لتقدير دخول ذلك في ملكه نظير إخراج فطرة غيره بإذنه ، وحينئذ يتعين أن يزاد في التصوير أنه أذن لها في الدعوة أيضا ، وأن لا يعذر بمرخص جماعة كما في البيان وغيره وإن توقف الأذرعي في إطلاقه ، وأن لا يكون الداعي فاسقا أو شريرا طالبا للمباهاة والفخر كما في الإحياء ، وبه يعلم اتجاه قول الأذرعي كل من جاز هجره لا تجب إجابته ، وأن لا يدعى قبل وتلزمه الإجابة . أما عند عدم لزومها فيظهر أنها كالعدم بل يجيب الأسبق ، فإن جاءا معا أجاب الأقرب رحما ، فإن استويا أقرع . وظاهر قولهم أجاب الأقرب وقوله أقرع وجوب ذلك عليه وقد ينظر فيه ، إذ لو قيل بالندب فقط للتعارض المسقط للوجوب لم يبعد ، وأن يكون الداعي مطلق التصرف فلا يجيب غيره وإن أذن له وليه لعصيانه بذلك ، ثم إن أذن لعبده في أن يولم كان كالحر لكن بشرط أن يأذن له في الدعوة أيضا نظير ما مر فيما يظهر ، ولو اتخذها الولي من مال نفسه وهو أب أو جد وجب الحضور كما بحثه الأذرعي . وأن يكون المدعو حرا ولو سفيها أو عبدا بإذن سيده ولو مكاتبا لم يأذن له إن لم يضر حضوره بكسبه وإلا فبالإذن فيما يظهر أو مبعضا في نوبته ، وغير قاض : أي في محل ولايته ، نعم يستحب له ما لم يخص بها بعض الناس إلا من كان يخصهم قبل الولاية

                                                                                                                            [ ص: 373 ] فلا بأس باستمراره . قال الماوردي والروياني والأولى في زماننا أن لا يجيب أحد الخبث النيات وألحق به الأذرعي رحمه الله تعالى كل ذي ولاية عامة في محل ولايته والأوجه استثناء أبعاضه ونحوهم فيلزمه إجابتهم لعدم نفوذ حكمه لهم وأن لا يعتذر للداعي فيعذره أي عن طيب نفس لا حياء بحسب القرائن كما هو ظاهر

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ومن لم يجب الدعوة ) ليس هذا من الحديث وإنما هو مدرج من كلام أبي هريرة وعبارة الحافظ السيوطي في شرح ألفيته نصها : قال الحافظ حج في النكت : لم يتعرض ابن الصلاح إلى بيان ما ينسب الصحابي فاعله إلى الكفر والعصيان كقول ابن مسعود : من أتى عرافا أو كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد : وفي رواية ، بما أنزل الله على محمد ، وكقول أبي هريرة فيمن لم يجب الدعوة : فقد عصى الله ورسوله ، وقوله في الخارج من المسجد بعد الأذان : أما هذا فقد عصى أبا القاسم وقول عمار بن ياسر : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم ، فهذا ظاهر أن له حكم المرفوع ، ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز إحالة الإثم على ما ظهر له من القواعد . قال : والأول أظهر بل حكى ابن عبد البر الإجماع على أنه مسند ا هـ ( قوله : كذا قاله ) أي التغليظ ( قوله : أو عند فقد بعض شروط ) لا يخفى أن شروط الوجوب : أي وجوب الإجابة هي المذكورة بقوله بشرط إلخ فيصير المعنى إنما تسن عند فقد بعض الشروط تلك الشروط وذلك فاسد ا هـ سم على حج ( قوله : ولا يلزم ذميا إجابة مسلم ) أي مطلقا سواء كان بينه وبين الداعي قرابة أم صداقة أم لا ، ولعل وجهه عدم وجوب الإجابة على واحد منهما بدعوة الآخر إن طلبها للتودد ، وهو [ ص: 372 ] منتف بين المسلم والذمي . قال شيخنا الزيادي : وهذا بالنسبة للدنيا وإلا فهو مكلف بالفروع ( قوله وسن لها الوليمة ) يتأمل صورة سنها لها فإن الكلام في شروط الوجوب وهو خاص بوليمة العرس ، ولا يدفع هذا التوقف ما يأتي في كلام الشارح لأنه إنما صور به مجرد كون الوليمة من المرأة وهو لا يقتضي السن ، إلا أن يقال : يمكن تصويره في حقها بغير وليمة العرس بناء على وجوب الإجابة لسائر الولائم ، أو أنها فعلتها عن الزوج لإعساره أو امتناعه من الفعل على ما يأتي ( قوله : ويتصور اتحاد الرجل ) أي انفراده ( قوله : بأن لا يكون ) أي يوجد ( قوله : ومن صور وليمة المرأة ) قضية هذا التصوير أن الوليمة سنة في حق المرأة حينئذ وليس كذلك ( قوله : وأن لا يكون الداعي فاسقا أو شريرا ) عطفه على الفاسق يقتضي أن مجرد كونه شريرا لا يوجب الفسق ، وهو ظاهر لأنه قد يراد بالشرير كثير الخصومات وذلك لا يستلزم محرما فضلا عن الكبيرة ( قوله أجاب الأقرب رحما ) وهذا الترتيب جار في الواجب والمندوب ( قوله : وجوب ذلك ) معتمد ( قوله فلا يجيب غيره ) أي فلا تجوز له الإجابة ( قوله : وهو أب أو جد ) يفيد أن الأم لو كانت وصية وأولمت من مالها له لا يجب الحضور ، وهو كذلك لأن الأب والجد يتمكن كل منهما من إدخال ماله في ملك المولى عليه بخلاف الأم ، ويؤخذ مما تقدم في تصويره وليمة المرأة أن غير الأب والجد إذا فعل الوليمة بإذن ممن طلبت منه وجبت الإجابة على من دعي له ( قوله : ولو سفيها ) ظاهره ولو بإذن وليه ، وينبغي تقييده بما إذا لم يفوت عليه ما يقصد من عمله ( قوله : ما لم يخص ) أي القاضي ، وقوله بها : أي [ ص: 373 ] بالإجابة ا هـ سم ( قوله : فلا بأس باستمراره ) أي الطلب في حقه ( قوله : أن لا يجيب ) أي القاضي ( قوله : كل ذي ولاية عامة ) ومنه مشايخ البلدان والأسواق



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ومنه وليمة التسري ) أي من الغير ليوافق ما نقله الشهاب سم عن الشارح من عدم وجوب الإجابة لوليمة التسري ( قوله : على الصحيح ) يعني وجوب الإجابة عينا كما علم مما مر : أي وكفاية على مقابله ( قوله : ; لأنه لا يوجد الآن إلخ ) تعليل لتقييد الشبهة فيما مر بالقوية كما [ ص: 372 ] يصرح بذلك عبارة التحفة ( قوله : وأذن زوج المزوجة ) أي في الوليمة بقرينة ما بعده ( قوله : بل يأتي في هذا الشرط ) يعني المذكور في كلام المصنف أو لا ( قوله : ما لم يخص ) أي القاضي ، وقوله بها أي بالإجابة ( قوله : إلا من كان يخصهم إلخ ) عبارة الأذرعي : نعم لو كان يخص قوما بإجابة قبل الولاية فحكى ابن كج عن النص أنه لا بأس . [ ص: 373 ] بالاستمرار




                                                                                                                            الخدمات العلمية