الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                      وفي هذه السنة كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك النواحي يدعوهم إلى الله تعالى .

                                                                                      قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب قبل موته إلى كسرى ، وإلى قيصر ، وكتب إلى النجاشي ، يعني الذي ملك الحبشة بعد النجاشي المسلم ، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل . رواه مسلم .

                                                                                      وليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي الثاني يدعوه إلى الله في هذه السنة . بل ذلك مسكوت عنه ، وإنما كان ذلك بعد النجاشي الأول المسلم وموته ، كما سيأتي في سنة تسع . والله أعلم .

                                                                                      وقال إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى [ ص: 137 ] قيصر يدعوه إلى الإسلام . وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي ، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر . فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر ، وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس ، مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لما أبلاه الله تعالى . فلما أن جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال حين قرأه : التمسوا لي هاهنا أحدا من قومه لنسألهم .

                                                                                      قال ابن عباس : فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا للتجارة ، في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش .

                                                                                      قال أبو سفيان : فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام ، فانطلق بنا حتى قدمنا إيلياء ، فأدخلنا عليه ، فإذا هو جالس في مجلسه وعليه التاج ، وحوله عظماء الروم ، فقال لترجمانه : سلهم أيهم أقرب نسبا من هذا الرجل الذى يزعم أنه نبي ؟ قلت : أنا أقربهم إليه نسبا . قال : " ما قرابة ما بينك وبينه ؟ قلت : هو ابن عمي . قال : وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري ، قال : أدنوه مني . ثم أمر أصحابي فجعلهم خلف ظهري ، عند كتفي ، ثم قال لترجمانه : قل لأصحابه إني سائله عن هذا الذي يزعم أنه نبي ، فإن كذب فكذبوه .

                                                                                      قال أبو سفيان : والله لولا الحياء يومئذ أن يأثر عني أصحابي الكذب لكذبته عنه . ثم قال لترجمانه : قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول أحد منكم قبله ؟ قلت : لا . قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا . قال : فهل من آبائه من ملك ؟ قلت : لا . قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم . قال : فيزيدون أو ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون . قال : فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ [ ص: 138 ] قلت : لا . قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا . ونحن الآن منه في مدة ونحن نخاف منه أن يغدر ; ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا أتنقصه بها ، لا أخاف أن تؤثر عني غيرها . قال : فهل قاتلتموه وقاتلكم ؟ قلت : نعم . قال : كيف حربكم وحربه ؟ قلت : كانت دولا وسجالا ، يدال علينا المرة ويدال عليه الأخرى ، قال : فماذا يأمركم به ؟ قلت : يأمرنا أن نعبد الله وحده ، ولا نشرك به شيئا ، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة .

                                                                                      قال : فقال لترجمانه قل له : إني سألتك عن نسبه فيكم ، فزعمت أنه ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها . وسألتك : هل قال هذا القول أحد قبله ، فزعمت أنه لا ، فقلت : لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت : رجل يأتم بقول قد قيل قبله . وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فزعمت أن لا ، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله . وسألتك : هل كان من آبائه من ملك ، فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك قلت : رجل يطلب ملك آبائه . وسألتك : أشراف الناس يتبعونه أو ضعفاؤهم ، فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل . وسألتك : هل يزيدون أو ينقصون ، فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم . وسألتك : هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد . وسألتك : هل يغدر ، فزعمت أن لا ، وكذلك الرسل لا يغدرون . وسألتك : هل قاتلتموه وقاتلكم ، فزعمت أن قد فعل ، وأن حربكم وحربه يكون دولا ، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة . وسألتك ماذا يأمركم به ، فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء [ ص: 139 ] الأمانة ، وهذه صفة نبي ، قد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن لم أظن أنه منكم ; وإن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه . قال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به فقرئ فإذا فيه :

                                                                                      " بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى . أما بعد . فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين . وإن توليت فعليك إثم الأريسيين . و : ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمين ( 64 ) ) [ آل عمران ] .

                                                                                      قال أبو سفيان : فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم فلا أدري ما قالوا ، وأمر بنا فأخرجنا . فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ; هذا ملك بني الأصفر يخافه .

                                                                                      قال أبو سفيان : ووالله ما زلت ذليلا ، مستيقنا بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره . أخرجناه من حديث إبراهيم .

                                                                                      وأخرجاه من حديث معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس أن أبا سفيان حدثه ، قال : انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين [ ص: 140 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فبينا أنا بالشام . فذكر كحديث إبراهيم .

                                                                                      ورواه يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري بسنده . وفيه قال أبو سفيان : فلما كانت هدنة الحديبية بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم خرجت تاجرا إلى الشام . فوالله ما علمت بمكة امرأة ولا رجلا إلا قد حملني بضاعة . فقدمت غزة ، وذلك حين ظهر قيصر على من كان ببلاده من الفرس ، فأخرجهم منها . ورد عليه صليبه الأعظم ، وكان منزله بحمص فخرج منها متشكرا إلى بيت المقدس ، تبسط له البسط وتطرح له عليها الرياحين . حتى انتهى إلى إيلياء ، فصلى بها . فأصبح ذات غداة مهموما يقلب طرفه إلى السماء ، فقالت له بطارقته : أيها الملك ، لقد أصبحت مهموما . فقال : أجل . قالوا : وما ذاك ؟ قال : أريت في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر . فقالوا : والله ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلا يهود ، وهم تحت يدك وفي سلطانك ، فإن كان قد وقع هذا في نفسك منهم ، فابعث في مملكتك كلها فلا يبقى يهودي إلا ضربت عنقه فتستريح من هذا الهم .

                                                                                      فبينما هم في ذلك ; إذ أتاهم رسول صاحب بصرى برجل من العرب قد وقع إليهم . فقال : أيها الملك هذا رجل من العرب من أهل الشاء والإبل ، يحدثك عن حدث كان ببلاده ، فسله عنه . فلما انتهى إليه قال لترجمانه : سله ما هذا الخبر الذي كان في بلاده ؟ فسأله فقال : هو رجل من قريش خرج يزعم أنه نبي ، وقد تبعه أقوام وخالفه آخرون ، فكانت بينهم ملاحم ، فقال : جردوه . فإذا هو مختون فقال : هذا والله الذي أريت ، لا ما تقولون . ثم دعا صاحب شرطته فقال له : قلب لي الشام ظهرا وبطنا حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه . فوالله [ ص: 141 ] إني وأصحابي لبغزة إذ هجم علينا فسألنا : ممن أنتم ؟ فأخبرناه . فساقنا إليه جميعا . فلما انتهينا إليه - قال أبو سفيان : فوالله ما رأيت من رجل قط أزعم أنه كان أدهى من ذلك الأغلف - يعني هرقل - فلما انتهينا إليه قال : أيكم أمس به رحما ؟ فقلت : أنا . قال : أدنوه . وساق الحديث ، ولم يذكر فيه كتابا . وفيه كما ترى أشياء عجيبة ينفرد بها ابن إسحاق دون معمر وصالح .

                                                                                      وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني الزهري ، قال : حدثني أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان ، قال : لما قدم دحية بن خليفة على هرقل بالكتاب ، وفيه :

                                                                                      " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى . أما بعد ; فأسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن أبيت فإن إثم الأكارين عليك " .

                                                                                      فلما قرأه وضعه بين فخذه وخاصرته ، ثم كتب إلى رجل من أهل رومية ، كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ ، يخبره عما جاءه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه أنه النبي الذى ننتظر لا شك فيه فاتبعه . فأمر بعظماء الروم فجمعوا له فى دسكرة ملكه ، ثم أمر بها فأشرجت عليهم ، واطلع عليهم من علية له ، وهو منهم خائف فقال : يا معشر الروم إنه قد جاءني كتاب أحمد ، وإنه والله للنبي الذى كنا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا ، نعرفه بعلاماته وزمانه . فأسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم . فنخروا نخرة رجل واحد ، وابتدروا أبواب الدسكرة ، فوجدوها مغلقة دونهم . فخافهم ، فقال : ردوهم علي . فكروهم عليه ، فقال : إنما قلت [ ص: 142 ] لكم هذه المقالة أغمزكم بها لأنظر كيف صلابتكم في دينكم ، فقد رأيت منكم ما سرني . فوقعوا له سجدا ، ثم فتحت لهم الأبواب فخرجوا .

                                                                                      وقال ابن لهيعة : حدثنا أبو الأسود ، عن عروة ، قال : خرج أبو سفيان تاجرا وبلغ هرقل شأن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : فأدخل عليه أبو سفيان في ثلاثين رجلا ، وهو في كنيسة إيلياء . فسألهم فقالوا : ساحر كذاب . فقال : أخبروني بأعلمكم به وأقربكم منه . قالوا : هذا ابن عمه . وذكر شبيها بحديث الزهري .

                                                                                      وقال البخاري : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني عبيد الله ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ليدفعه إلى كسرى . قال : فلما قرأه كسرى مزقه . فحسبت ابن المسيب قال : فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق .

                                                                                      وقال الذهلي محمد بن يحيى : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن عبد القاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم على المنبر خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ، ثم قال : " أما بعد ؛ فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم ، فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى " فقال المهاجرون : والله لا نختلف عليك في شيء ، فمرنا وابعثنا . فبعث شجاع بن وهب إلى كسرى ، فخرج حتى قدم على كسرى ، وهو بالمدائن ، واستأذن عليه . فأمر كسرى بإيوانه أن يزين ، ثم أذن لعظماء فارس ، ثم أذن لشجاع بن وهب . فلما دخل عليه أمر بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبض منه . قال شجاع : لا ، حتى أدفعه أنا [ ص: 143 ] كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال كسرى : ادنه ، فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبا له من أهل الحيرة فقرأه ، فإذا فيه :

                                                                                      " من محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس " .

                                                                                      فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وصاح وغضب ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه ، وأمر بشجاع فأخرج ، فركب راحلته وذهب ، فلما سكن غضب كسرى ، طلب شجاعا فلم يجده ، وأتى شجاع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : " اللهم مزق ملكه " .

                                                                                      وقال أبو عوانة ، عن سماك ، عن جابر بن سمرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتفتحن عصابة من المسلمين كنوز كسرى التي في القصر الأبيض " .

                                                                                      أخرجه مسلم . رواه أسباط بن نصر ، عن سماك ، عن جابر فزاد ، قال : فكنت أنا وأبي فيهم ، فأصابنا من ذلك ألف درهم .

                                                                                      وقال أحمد بن الوليد الفحام : حدثنا أسود بن عامر ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، أن رجلا من أهل فارس أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن ربي قد قتل ربك ، يعني كسرى .

                                                                                      قال : وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنه قد استخلف بنته ، فقال : " لا يفلح قوم تملكهم امرأة " .

                                                                                      ويروى أن كسرى كتب إلى باذام عامله باليمن يتوعده ويقول : ألا تكفيني رجلا بأرضك رجلا خرج بأرضك يدعوني إلى دينه ؟ لتكفنيه أو لأفعلن بك . [ ص: 144 ] فبعث العامل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسلا وكتابا ، فتركهم النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة ، ثم قال : " اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا : إن ربي قد قتل ربك الليلة " .

                                                                                      وروى أبو بكر بن عياش ، عن داود بن أبي هند ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : أقبل سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلك - أو قال : قتل - كسرى . فقال : " لعن الله كسرى ، أول الناس هلاكا فارس ثم العرب " .

                                                                                      وقال محمد بن يحيى : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح ، قال : قال ابن شهاب . وقد رواه الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، كلاهما يقول عن أبي سلمة ، واللفظ لصالح قال : بلغني أن كسرى بينما هو في دسكرة ملكه ، بعث له - أو قيض له - عارض فعرض عليه الحق ، فلم يفجأ كسرى إلا الرجل يمشي وفي يده عصا فقال : يا كسرى هل لك في الإسلام قبل أن أكسر هذه العصا ؟ قال كسرى : نعم ؟ فلا تكسرها : فولى الرجل . فلما ذهب أرسل كسرى إلى حجابه فقال : من أذن لهذا ؟ قالوا : ما دخل عليك أحد . قال : كذبتم . وغضب عليهم وعنفهم ، ثم تركهم . فلما كان رأس الحول أتاه ذلك الرجل بالعصا فقال كمقالته . فدعا كسرى الحجاب وعنفهم . فلما كان الحول المستقبل ، أتاه ومعه العصا فقال : هل لك يا كسرى في الإسلام قبل أن أكسر العصا ؟ قال : لا تكسرها ، فكسرها فأهلك الله كسرى عند ذلك .

                                                                                      وقال الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده . وإذا هلك قيصر فلا قيصر [ ص: 145 ] بعده . والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله " أخرجه مسلم .

                                                                                      وروى يونس بن بكير ، عن ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر . فأما قيصر فوضعه ، وأما كسرى فمزقه . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أما هؤلاء فيمزقون ، ، أما هؤلاء فسيكون لهم بقية " .

                                                                                      وقال الربيع : أخبرنا الشافعي ، قال : حفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ووضعه في مسك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثبت ملكه " .

                                                                                      قال الشافعي : وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس ، وقطع قيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام . وقال في كسرى : " مزق ملكه " ، فلم يبق للأكاسرة ملك ، وقال في قيصر : " ثبت ملكه " فثبت له ملك بلاد الروم إلى اليوم .

                                                                                      وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثنا الزهري ، عن عبد الرحمن بن عبد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية ، فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل الكتاب وأكرم حاطبا وأحسن نزله ، وأهدى معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة وكسوة وجاريتين ; إحداهما أم إبراهيم ، والأخرى وهبها النبي صلى الله عليه وسلم لجهم بن قيس العبدي ، فهي أم زكريا بن جهم ، خليفة عمرو بن العاص على مصر .

                                                                                      وقال أبو بشر الدولابي : حدثنا أبو الحارث أحمد بن سعيد الفهري ، قال : حدثنا هارون بن يحيى الحاطبي ، قال : حدثنا إبراهيم بن [ ص: 146 ] عبد الرحمن ، قال : حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه ، عن جده حاطب بن أبي بلتعة ، قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية ، فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلني في منزله ، وأقمت عنده . ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته فقال : إنى سأكلمك بكلام وأحب أن تفهمه مني . قلت : نعم ؛ هلم . قال : أخبرني عن صاحبك ، أليس هو نبي ؟ قلت : بلى ، هو رسول الله . قال : فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه . قلت : عيسى ; أليس تشهد أنه رسول الله ، فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه أن لا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه إلى السماء الدنيا . قال : أنت حكيم جاء من عند حكيم . هذه هدايا أبعث بها معك إليه . فأهدى ثلاث جوار ، منهن أم إبراهيم ، وواحدة وهبها رسول الله لأبي جهم بن حذيفة العدوي ، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت . وأرسل بطرف من طرفهم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية