الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في ذكر سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه

إلى صنم طيئ ليهدمه
في هذه السنة

قالوا : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في مائة وخمسين رجلا من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسا ، ومعه راية سوداء ، لواء أبيض إلى الفلس ، وهو صنم طيئ ليهدمه ، فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر فهدموه ، وملئوا أيديهم من السبي والنعم والشاء ، وفي السبي أخت عدي بن حاتم ، وهرب عدي إلى الشام ، ووجدوا في خزانته ثلاثة أسياف وثلاثة أدراع ، فاستعمل على السبي أبا قتادة ، وعلى الماشية والرثة عبد الله بن عتيك ، وقسم الغنائم في الطريق ، وعزل الصفي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقسم على آل حاتم حتى قدم بهم المدينة .

قال ابن إسحاق : ( قال عدي بن حاتم : ما كان رجل من العرب أشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني حين سمعت به صلى الله عليه وسلم ، وكنت امرءا شريفا ، وكنت نصرانيا ، وكنت أسير في قومي بالمرباع ، وكنت في نفسي على دين ، وكنت ملكا في قومي ، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته ، فقلت لغلام عربي كان لي وكان راعيا لإبلي : لا أبا لك اعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحبسها قريبا مني ، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ، ففعل ، ثم إنه أتاني ذات غداة فقال : يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن ، فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا : هذه جيوش محمد ، قال فقلت : فقرب إلي أجمالي ، فقربها ، فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى [ ص: 453 ] بالشام ، وخلفت بنتا لحاتم في الحاضرة ، فلما قدمت الشام أقمت بها ، وتحالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله غاب الوافد وانقطع الوالد ، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة ، فمن علي من الله عليك ، قال : " من وافدك ؟ " قالت : عدي بن حاتم ، قال : " الذي فر من الله ورسوله ؟ " قالت : فمن علي ، قال : فلما رجع ورجل إلى جنبه يرى أنه علي قال : سليه الحملان ، قالت : فسألته فأمر لها به

قال عدي : فأتتني أختي فقالت : لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها ، ائته راغبا أو راهبا فقد أتاه فلان فأصاب منه ، وأتاه فلان فأصاب منه ، قال عدي : فأتيته وهو جالس في المسجد ، فقال القوم : هذا عدي بن حاتم ، وجئت بغير أمان ولا كتاب ، فلما دفعت إليه أخذ بيدي ، وقد كان قبل ذلك قال : ( إني أرجو أن يجعل الله يده في يدي ) قال : فقام لي فلقيته امرأة ومعها صبي فقالا : إن لنا إليك حاجة ، فقام معهما حتى قضى حاجتهما ، ثم أخذ بيدي حتى أتى داره فألقت له الوليدة وسادة فجلس عليها وجلست بين يديه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( ما يفرك ؟ أيفرك أن تقول لا إله إلا الله ؟ فهل تعلم من إله سوى الله ؟ " قال قلت : لا ، قال : ثم تكلم ساعة ثم قال : " إنما تفر أن يقال : الله أكبر ، وهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ " قال : قلت : لا ، قال : " فإن اليهود مغضوب عليهم ، وإن النصارى ضالون " قال : فقلت : إني حنيف مسلم ، قال :فرأيت وجهه ينبسط فرحا ، قال : ثم أمرني فأنزلت عند رجل من الأنصار وجعلت أغشاه ، آتيه طرفي النهار ، قال : فبينا أنا عنده إذ جاء قوم في ثياب من الصوف من هذه النمار ، قال : فصلى وقام فحث عليهم ثم قال : " يا أيها الناس ارضخوا من الفضل ولو بصاع ، ولو بنصف صاع ، ولو بقبضة ، ولو ببعض قبضة ، يقي أحدكم وجهه حر جهنم أو النار ولو بتمرة ، ولو بشق تمرة ، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة ، فإن أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم : ألم أجعل لك مالا وولدا ؟ فيقول : بلى [ ص: 454 ] فيقول : أين ما قدمت لنفسك ؟ فينظر قدامه وبعده وعن يمينه وعن شماله ثم لا يجد شيئا يقي به وجهه حر جهنم ، ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإني لا أخاف عليكم الفاقة ، فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة ما بين يثرب والحيرة وأكثر ما يخاف على مطيتها السرق ، قال [ ص: 455 ] فجعلت أقول في نفسي : فأين لصوص طيئ )

التالي السابق


الخدمات العلمية