الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1458 127 - حدثني علي بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنا شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "فحد لهم ذات عرق".

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم ستة:

                                                                                                                                                                                  الأول: علي بن مسلم -بلفظ اسم الفاعل من الإسلام - ابن سعيد أبو الحسن، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين.

                                                                                                                                                                                  الثاني: عبد الله بن نمير بضم النون، وفتح الميم، مصغر [ ص: 145 ] نمر، مر في أول باب التيمم.

                                                                                                                                                                                  الثالث: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أبو عثمان القرشي العدوي.

                                                                                                                                                                                  الرابع: نافع مولى ابن عمر.

                                                                                                                                                                                  الخامس: عبد الله بن عمر بن الخطاب.

                                                                                                                                                                                  السادس: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع واحد، وبصيغة الجمع في موضعين.

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في موضعين.

                                                                                                                                                                                  وفيه القول في ثلاثة مواضع.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن شيخه من أفراده، وأنه طوسي سكن بغداد، وعبد الله بن نمير كوفي، وعبيد الله ونافع مدنيان.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: (لما فتح هذان المصران) فتح في رواية الأكثرين بضم الفاء على بناء ما لم يسم فاعله، وفي رواية الكشميهني بفتح الفاء على البناء للفاعل، وهذين المصرين مفعوله، وطوي ذكر الفاعل للعلم به، والتقدير: لما فتح الله هذين المصرين، وكذا ثبت في رواية أبي نعيم في (المستخرج) وبه جزم القاضي عياض.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن مالك: تنازع فيه الفعلان، وهما "فتح وأتوا" وأعمل الثاني، والمصران تثنية مصر، وأراد بهما البصرة والكوفة.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): هما من تمصير المسلمين، وبنيتا في أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. أما الكوفة فإنها بنيت سنة أربع عشرة، وأما البصرة فكذلك مدينة إسلامية بنيت في أيام عمر بن الخطاب في سنة سبع عشرة، وكيف يقال: لما فتح هذان المصران.

                                                                                                                                                                                  (قلت): المراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما، وبين البصرة والكوفة ثمانون فرسخا، وليس فيها مزدرع على المطر أصلا لكثرة أنهارها، والكوفة على ذراع من الفرات خارج جانبي الفرات وغربيها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وهو جور) بفتح الجيم، وسكون الواو، وفي آخره راء، أي: ميل، والجور الميل عن القصد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فانظروا حذوها) بفتح الحاء المهملة، وسكون الذال المعجمة، وفتح الواو بمعنى الحذاء، والمعنى اعتبروا ما يقابل من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوها ميقاتا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فحد لهم) أي: حد ذات عرق لهم، أي: لهؤلاء الذين سألوا.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه):

                                                                                                                                                                                  احتج به طاوس، وابن سيرين، وجابر بن زيد على أن أهل العراق لا وقت لهم كوقت سائر البلدان، وإنما يهلون من الميقات الذي يأتون عليه من المواقيت المذكورة.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على القول بظاهر حديث ابن عمر، واختلفوا فيما يفعل من مر بذات عرق، فثبت أن عمر رضي الله تعالى عنه وقته لأهل العراق، ولا يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  (قلت): والصحيح الذي عليه الأثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي وقته على حسب ما علمه بالوحي من فتح البلدان والأقطار لأمته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (زويت لي الأرض، فأريت مشارقها ومغاربها).

                                                                                                                                                                                  وقال جمهور العلماء من التابعين، ومن بعدهم، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: إن ميقات أهل العراق ذات عرق، إلا أن الشافعي استحب أن يحرم العراقي من العقيق الذي بحذاء ذات عرق.

                                                                                                                                                                                  وقال في (الأم): لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق، وإنما أجمع عليه الناس، وهذا يدل على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصا عليه، وبه قطع الغزالي، والرافعي في (شرح المسند) والنووي في شرح مسلم، وكذا وقع في المدونة لمالك رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  (قلت): صححت الحنفية، والحنابلة، وجمهور الشافعية، والرافعي في (الشرح الصغير) والنووي في (شرح المهذب) أنه منصوص عليه، واحتجوا على ذلك بما رواه الطحاوي: حدثنا محمد بن علي بن داود، قال: حدثنا خالد بن يزيد، وهشام بن بهرام المدائني قالا: حدثنا المعافى بن عمران، عن أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل اليمن يلملم.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي: أخبرنا عمرو بن منصور، قال: حدثنا هشام بن بهرام إلى آخره، وبحديث جابر أخرجه مسلم. وفيه: مهل أهل العراق ذات عرق.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الطحاوي أيضا، ولفظه: "ولأهل العراق ذات عرق" وأخرج الطحاوي أيضا من حديث أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل البصرة ذات عرق، ولأهل المدائن العقيق.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الطبراني أيضا، ثم قال الطحاوي: فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآثار من وقت أهل العراق، كما ثبت من وقت من سواهم.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن المنذر: اختلفوا في المكان الذي يحرم من أتى من العراق على ذات عرق، فكان أنس يحرم من العقيق، واستحب ذلك الشافعي، وكان مالك وإسحاق وأحمد وأبو ثور، وأصحاب الرأي يرون الإحرام من ذات عرق.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو بكر: الإحرام من ذات عرق يجزئ، وهو من العقيق أحوط، وقد كان الحسن بن صالح [ ص: 146 ] يحرم من الربذة، وروي ذلك عن خصيف، والقاسم بن عبد الرحمن. والعقيق بفتح العين المهملة، وكسر القاف، قال البكري: على وزن فعيل عقيقان، عقيق بني عقيل على مقربة من عقيق المدينة الذي بقرب البقيع على ليلتين من المدينة.

                                                                                                                                                                                  وقال ياقوت: العقيق عشرة مواضع، وعقيقا المدينة أشهرها، وأكثر ما يذكر في الأشعار فإياهما.

                                                                                                                                                                                  وقال الحسن بن محمد المهلبي: بين العقيق والمدينة أربعة أميال، وعن الأصمعي: الأعقة الأودية، وفي التلويح: حدثنا عبد الله بن عروة، حدثنا زهير بن محمد العابد، حدثني أبو عاصم، عن سفيان، عن يزيد، عن محمد بن علي، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق بطن العقيق. قال أبو منصور: أراد العقيق الذي بحذاء ذات عرق.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية