الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3308 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم والإيمان يمان والحكمة يمانية قال أبو عبد الله سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة والشأم لأنها عن يسار الكعبة والمشأمة الميسرة واليد اليسرى الشؤمى والجانب الأيسر الأشأم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث السابع قوله في حديث أبي هريرة ( والإيمان يمان والحكمة يمانية ) ظاهره نسبة الإيمان إلى اليمن لأن أصل يمان يمني فحذفت ياء النسب وعوض بالألف بدلها ، وقوله " يمانية " هو بالتخفيف ، وحكى ابن السيد في " الاقتضاب " أن التشديد لغة . وحكى الجوهري وغيره أيضا عن سيبويه جواز التشديد في يماني وأنشد :


                                                                                                                                                                                                        يمانيا يظل يشد كيرا وينفخ دائما لهب الشواظ



                                                                                                                                                                                                        واختلف في المراد به فقيل معناه نسبة الإيمان إلى مكة لأن مبدأه منها ، ومكة يمانية بالنسبة إلى المدينة . وقيل : المراد نسبة الإيمان إلى مكة والمدينة وهما يمانيتان بالنسبة للشام بناء على أن هذه المقالة صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم وهو حينئذ بتبوك ، ويؤيده قوله في حديث جابر عند مسلم والإيمان في أهل الحجاز ، وقيل المراد بذلك الأنصار لأن أصلهم من اليمن ونسب الإيمان إليهم لأنهم كانوا الأصل في نصر الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حكى جميع ذلك أبو عبيدة في " غريب الحديث " له . وتعقبه ابن الصلاح بأنه لا مانع من إجراء الكلام على ظاهره ، وأن المراد تفضيل أهل اليمن على غيرهم من أهل المشرق ، والسبب في ذلك إذعانهم إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين ، بخلاف أهل المشرق وغيرهم ، ومن اتصف بشيء وقوي قيامه به نسب إليه إشعارا بكمال حاله فيه ، ولا يلزم من ذلك نفي الإيمان عن غيرهم ، وفي ألفاظه أيضا ما يقتضي أنه أراد به أقواما بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم لا إلى بلد معين ، لقوله في بعض طرقه في الصحيح أتاكم أهل اليمن ، هم ألين قلوبا وأرق أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية ، ورأس الكفر قبل المشرق ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمل أهل اليمن على حقيقته . ثم المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان ، فإن اللفظ لا يقتضيه . قال : والمراد بالفقه الفهم في الدين ، والمراد بالحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله انتهى . وقد أبعد الحكيم الترمذي حيث زعم أن المراد بذلك شخص خاص وهو أويس القرني ، وسيأتي في " باب ذكر قحطان " زيادة في هذا والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أبو عبد الله ) هو المصنف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة ) هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير الواقعة ، وروى عن قطرب [ ص: 616 ] قال : إنما سمي اليمن يمنا ليمنه والشام شأما لشؤمه ، وقال الهمداني في " الأنساب " : لما ظعنت العرب العاربة أقبل بنو قطن بن عامر فتيامنوا ، فقالت العرب : تيامنت بنو قطن فسموا اليمن ، وتشاءم الآخرون فسموا شاما . وقيل إن الناس لما تفرقت ألسنتهم حين تبلبلت ببابل أخذ بعضهم عن يمين الكعبة فسموا يمنا وأخذ بعضهم عن شمالها فسموا شاما ، وقيل إنما سميت اليمن بيمن بن قحطان وسميت الشام بسام بن نوح ، وأصله شام بالمعجمة ثم عرب بالمهملة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والمشأمة الميسرة إلخ ) يريد أنهما بمعنى ، قال أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة : أي أصحاب الميسرة ، ويقال لليد اليسرى الشؤمى قال : ويقال للجانب الأيسر الأشأم انتهى ، ويقال : المراد بأصحاب المشأمة أصحاب النار لأنهم يمر بهم إليها وهي على ناحية الشمال ، ويقال لهم ذلك لأنهم يتناولون كتبهم بالشمال ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية