الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : الجمال على قسمين .

" تتمة " في التنبيه على بعض الملاحة والجمال بطريق الإيجاز والإجمال .

قال الإمام المحقق ابن القيم في الباب التاسع عشر من روضة المحبين ونزهة المشتاقين : اعلم أن الجمال ينقسم قسمين ظاهرا وباطنا ، فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته ، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة ، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله تعالى من عبده وموضع محبته كما في الحديث الصحيح { إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى [ ص: 418 ] قلوبكم وأعمالكم } .

وهذا الجمال يزين الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال ، فيكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات ، فإن المؤمن يعطى مهابة وحلاوة بحسب إيمانه ، فمن رآه هابه ، ومن خالطه أحبه ، وهذا أمر مشهود بالعيان ، فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة وإن كان أسود أو غير جميل ، ولا سيما إذا رزق حظا من صلاة الليل فإنها تنور الوجه وتحسنه . وقد كان بعض النساء تكثر صلاة الليل فقيل لها في ذلك فقالت إنها تحسن الوجه وأنا أحب أن يحسن وجهي .

ومما يدل على أن الجمال للباطن أحسن من الظاهر أن القلوب لا تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه ، وأما الجمال الظاهر فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض ، وهي من زيادة الخلق التي قال الله فيها { يزيد في الخلق ما يشاء } قالوا هو الصوت الحسن والصورة الحسنة والقلوب كالمطبوعة على محبته كما هي مفطورة على استحسانه . وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال { لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قالوا يا رسول الله الرجل يحب أن تكون نعله حسنة وثوبه حسنا أفذلك من الكبر ؟ فقال لا إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس } فبطر الحق جحده ودفعه بعد معرفته ، وغمط الناس النظر إليهم بعين الازدراء والاحتقار والاستصغار لهم ، وتقدم هذا مبسوطا .

والجمال الظاهر من نعم الله أيضا على عباده يوجب الشكر . وشكره التقوى والصيانة ، فكلما شكر مولاه على ما أولاه زاده الله جمالا ومنحه كمالا . وأما إن بذل الجمال في المعاصي عاد وحشة وشينا كما شوهد من عالم كثير في الدنيا قبل الآخرة . فكل من لم يتق الله سبحانه وتعالى في حسنه وجماله انقلب قبحا وشينا يشينه الله به بين الناس . انتهى .

وما أحسن قول القائل :

وما ينفع الفتيان حسن وجوههم إذا كانت الأفعال غير حسان     فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى
فما كل مصقول الحديد يماني

[ ص: 419 ] وقال آخر وأحسن :

صن الحسن بالتقوى وإلا فيذهب     فنور التقى يكسو جمالا ويكسب
وما ينفع الوجه الجميل جماله     وليس له فعل جميل مهذب
فيا حسن الوجه اتق الله إن ترد     دوام جمال ليس يفنى ويذهب
يزيد التقى ذا الحسن حسنا وبهجة     وأما المعاصي فهي للحسن تسلب
وتكسف نور الوجه بعد بهائه وتكسوه قبحا ثم للقلب تقلب     فسارع إلى التقوى هنا تجد الهنا
غدا في صفا عيش يدوم ويعذب     فما بعد ذي الدنيا سوى جنة بها
نعيم مقيم أو لظى تتلهب

.

التالي السابق


الخدمات العلمية