الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومتابعة الإمام [ ص: 471 - 472 ] يعني في المجتهد فيه لا في المقطوع بنسخه أو بعدم سنيته كقنوت فجر

التالي السابق


مطلب مهم في تحقيق متابعة الإمام

( قوله ومتابعة الإمام ) قال في شرح المنية : لا خلاف في لزوم المتابعة في الأركان الفعلية إذ هي موضوع الاقتداء . واختلف في المتابعة في الركن القولي وهو القراءة ; فعندنا لا يتابع فيها بل يستمع وينصت وفيما عدا القراءة من الأذكار يتابعه .

والحاصل أن متابعة الإمام في الفرائض والواجبات من غير تأخير واجبة ، فإن عارضها واجب لا ينبغي أن يفوته بل يأتي به ثم يتابع ، كما لو قام الإمام قبل أن يتم المقتدي التشهد فإنه يتمه ثم يقوم لأن الإتيان به لا يفوت المتابعة بالكلية ، وإنما يؤخرها ، والمتابعة مع قطعه تفوته بالكلية ، فكان تأخير أحد الواجبين مع الإتيان بهما أولى من ترك أحدهما بالكلية ، بخلاف ما إذا عارضها سنة كما لو رفع الإمام قبل تسبيح المقتدي ثلاثا فالأصح أنه يتابعه لأن ترك السنة أولى من تأخير الواجب ا هـ ملخصا . ثم ذكر ما حاصله أنه تجب متابعته للإمام في الواجبات فعلا ، وكذا تركا إن لزم من فعله مخالفته الإمام في الفعل كتركه القنوت أو تكبيرات العيد أو القعدة الأولى أو سجود السهو أو التلاوة فيتركه المؤتم أيضا ، وأنه ليس له أن يتابعه في البدعة والمنسوخ ، وما لا تعلق له بالصلاة فلا يتابعه لو زاد سجدة أو زاد على أقوال الصحابة في تكبيرات العيدين أو على أربع في تكبيرات الجنازة أو قام إلى الخامسة ساهيا ، وأنه لا تجب المتابعة في السنن فعلا وكذا تركا فلا يتابعه في ترك رفع اليدين في التحريمة والثناء وتكبير الركوع والسجود والتسبيح فيهما والتسميع ، وكذا لا يتابعه في ترك الواجب القولي الذي لا يلزم من فعله المخالفة [ ص: 471 ] في واجب فعلي كالتشهد والسلام وتكبير التشريق ، بخلاف القنوت وتكبيرات العيدين إذ يلزم من فعلهما المخالفة في الفعل وهو القيام مع ركوع الإمام . ا هـ .

فعلم من هذا أن المتابعة ليست فرضا ، بل تكون واجبة في الفرائض والواجبات الفعلية ، وتكون سنة في السنن وكذا في غيرها عند معارضة سنة ، وتكون خلاف الأولى إذا عارضها واجب آخر أو كانت في ترك لا يلزم من فعله مخالفة الإمام في واجب فعلي كرفع اليدين للتحريمة ونظائره ، وتكون غير جائزة إذا كانت في فعل بدعة أو منسوخ أو ما لا تعلق له بالصلاة أو في ترك ما يلزم من فعله مخالفة الإمام في واجب فعلي

ويشكل على هذا ما في شرح القهستاني على المقدمة الكيدانية من قوله إن المتابعة فرض كما في الكافي وغيره وأنها شرط في الأفعال دون الأذكار كما في المنية ا هـ وكذا ما في الفتح والبحر وغيرهما من باب سجود السهو من أن المؤتم لو قام ساهيا في القعدة الأولى يعود ويقعد لأن القعود فرض عليه بحكم المتابعة ، حتى قال في البحر : ظاهرة أنه لو لم يعد تبطل صلاته لترك الفرض . وقال في النهر : والذي ينبغي أن يقال إنها واجبة في الواجب فرض في الفرض . ا هـ .

أقول : الذي يظهر أنهم أرادوا بالفرض الواجب ، وكون المتابعة فرضا لا يصح على إطلاقه ، لما صرحوا به من أن المسبوق لو قام قبل قعود إمامه قدر التشهد في آخر الصلاة تصح صلاته إن قرأ ما تجوز به الصلاة بعد قعود الإمام قدر التشهد وإلا لا مع أنه لم يتابع في القعدة الأخيرة ، فلو كانت المتابعة فرضا في الفرض مطلقا لبطلت صلاته مطلقا ، نعم تكون المتابعة فرضا ; بمعنى أن يأتي بالفرض مع إمامه أو بعده ، كما لو ركع إمامه فركع معه مقارنا أو معاقبا وشاركه فيه أو بعد ما رفع منه ، فلو لم يركع أصلا أو ركع ورفع قبل أن يركع إمامه ولم يعده معه أو بعده بطلت صلاته .

والحاصل أن المتابعة في ذاتها ثلاثة أنواع : مقارنة لفعل الإمام مثل أن يقارن إحرامه لإحرام إمامه وركوعه لركوعه وسلامه لسلامه ، ويدخل فيها ما لو ركع قبل إمامه ودام حتى أدركه إمامه فيه . ومعاقبة لابتداء فعل إمامه مع المشاركة في باقيه . ومتراخية عنه ، فمطلق المتابعة الشامل لهذه الأنواع الثلاثة يكون فرضا في الفرض ، وواجبا في الواجب ، وسنة في السنة عند عدم المعارض أو عدم لزوم المخالفة كما قدمناه . ولا يشكل مسألة المسبوق المذكورة لأن القعدة وإن كانت فرضا لكنه يأتي بها في آخر صلاته التي يقضيها بعد سلام إمامه ، فقد وجدت المتابعة المتراخية فلذا صحت صلاته ، والمتابعة المقيدة بعدم التأخير والتراخي الشاملة للمقارنة والمعاقبة لا تكون فرضا بل تكون واجبة في الواجب وسنة في السنة عند عدم المعارضة وعدم لزوم المخالفة أيضا ، والمتابعة المقارنة بلا تعقيب ولا تراخ سنة عنده لا عندهما ، وهذا معنى ما في المقدمة الكيدانية حيث ذكر المتابعة من واجبات الصلاة ثم ذكرها في السنن ، ومراده بالثانية المقارنة كما ذكره القهستاني في شرحها .

إذا علمت ذلك ظهر لك أن من قال إن المتابعة فرض أو شرط كما في الكافي وغيره أراد به مطلقا بالمعنى الذي ذكرناه ، ومن قال إنها واجبة كما في شرح المنية وغيره أراد به المقيدة بعدم التأخير ، ومن قال إنها سنة أراد به المقارنة ، الحمد لله على توفيقه ، وأسأله هداية طريقه . [ ص: 472 ] مطلب المراد بالمجتهد فيه

( قوله يعني في المجتهد فيه ) المراد بالمجتهد فيه ما كان مبنيا على دليل معتبر شرعا بحيث يسوغ للمجتهد بسببه مخالفة غيره ، حتى لو كان مما يدخل تحت الحكم وحكم به حاكم يراه نفذ حكمه ، وإذا رفع حكمه إلى حاكم آخر لا يراه وجب عليه إمضاؤه ، بخلاف ما إذا كان مخالفا للكتاب كحل متروك التسمية عمدا أو السنة المشهورة كالاكتفاء بشاهد ويمين ونحو ذلك مما سيجيء في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى فإنه لا يسمى مجتهدا فيه ، حتى إذا رفع حكمه إلى من لا يراه ينقضه ولا يمضيه . وأفاد وجوب المتابعة في المتفق عليه بالأولى وعدم جوازها فيما كان بدعة أو لا تعلق له بالصلاة كما لو زاد سجدة أو قام إلى الخامسة ساهيا كما مر عن شرح المنية . ومثال ما تجب فيه المتابعة مما يسوغ فيه الاجتهاد ما ذكره القهستاني في شرح الكيدانية عن الجلابي بقوله كتكبيرات العيد وسجدتي السهو قبل السلام والقنوت بعد الركوع في الوتر . ا هـ .

والمراد بتكبيرات العيد ما زاد على الثلاث في كل ركعة مما لم يخرج عن أقوال الصحابة ; كما لو اقتدى بمن يراها خمسا مثلا كشافعي ، ومثل لما لا يسوغ الاجتهاد فيه في شرح الكيدانية عن الجلابي أيضا بقوله : كالقنوت في الفجر والتكبير الخامس في الجنازة ورفع اليدين في تكبير الركوع وتكبيرات الجنازة ، قال فالمتابعة فيها غير جائزة ا هـ لكن رفع اليدين في تكبيرات الجنازة قال به كثير من علمائنا كأئمة بلخ ، فكونه مما لا يسوغ الاجتهاد فيه محل نظر ، ولهذا قال الخير الرملي في حاشية البحر في باب الجنازة : إنه يستفاد من هذا : أي مما قاله أئمة بلخ أن الأولى متابعة الحنفي للشافعي بالرفع إذا اقتدى به ، ولم أره . ا هـ .

أي فإن اختلاف أئمتنا فيه دليل على أنه مجتهد فيه فتأمل ، وقال الأولى ولم يقل يجب لأن المتابعة إنما تجب في الواجب أو الفرض وهذا الرفع غير واجب عند الشافعي ( قوله لا في المقطوع بنسخه ) كما لو كبر في الجنازة خمسا ، فإن الآثار اختلفت في فعله صلى الله عليه وسلم فروى الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك ، إلا أن آخر فعله كان أربعا ، فكان ناسخا لما قبله كما في الإمداد ( قوله كقنوت فجر ) فإنه إما مقطوع بنسخه على تقدير أنه كان سنة أو بعد سنيته على تقدير أنه كان دعاء على قوم شهرا كما في الفتح من النوافل ، فهو مثال للمقطوع بنسخه أو بعدم سنيته على سبيل البدل ح




الخدمات العلمية