الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال سلم بن زرير : سمعت أبا رجاء العطاردي يقول : حدثنا عمران بن حصين أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأدلجوا ليلتهم ، حتى إذا كان في وجه الصبح عرس رسول الله فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس ، فكان أول من استيقظ أبو بكر ، فاستيقظ عمر بعده ، فقعد عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يكبر ويرفع صوته ، حتى يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما استيقظ والشمس قد بزغت ، قال : " ارتحلوا " . فسار بنا حتى ابيضت الشمس ، فنزل فصلى بنا واعتزل رجل فلم يصل ، فلما انصرف قال : " يا فلان ما منعك أن تصلي معنا " ؟ قال يا رسول الله أصابتني جنابة . فأمره أن يتيمم بالصعيد ، ثم صلى ، وعجلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوب بين يديه أطلب الماء ، وكنا قد عطشنا عطشا شديدا ، فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين ، قلنا لها : أين الماء ؟ قالت : أي هاة ، فقلنا : كم بين أهلك وبين الماء ؟ قالت : يوم وليلة . فقلنا : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : ما رسول الله ؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى استقبلنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته أنها موتمة ، فأمر بمزادتيها فمج في العزلاوين العلياوين ، فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وكل إداوة . وغسلنا صاحبنا ، وهي تكاد تضرج من الماء ، ثم قال لنا : " هاتوا ما عندكم " . فجمعنا لها من الكسر والتمر ، حتى صر لها صرة فقال : " اذهبي فأطعمي عيالك ، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا " . فلما أتت [ ص: 317 ] أهلها قالت : لقد أتيت أسحر الناس ، أو هو نبي كما زعموا ، فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة ، فأسلمت وأسلموا . اتفقا عليه .

                                                                                      وقال حماد بن سلمة وغيره ، عن ثابت ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي قتادة قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقال : إن لا تدركوا الماء تعطشوا . فانطلق سرعان الناس تريد الماء ، ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ، فمالت به راحلته فنعس ، فمال فدعمته فادعم ومال ، فدعمته فادعم ، ثم مال حتى كاد أن ينقلب ، فدعمته فانتبه ، فقال : من الرجل ؟ قلت : أبو قتادة . فقال : حفظك الله بما حفظت به رسول الله ، ثم قال : لو عرسنا ، فمال إلى شجرة ، فنزل فقال : انظر هل ترى أحدا ؟ فقلت : هذا راكب ، هذان راكبان ، حتى بلغ سبعة . فقال : احفظوا علينا صلاتنا ، قال : فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس ، فانتبهنا فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار وسرنا هنية ، ثم نزلنا ، فقال : أمعكم ماء ؟ قلت : نعم ميضأة فيها شيء من ماء . قال : فأتني بها ، فتوضئوا وبقي في الميضأة جرعة ، فقال : ازدهر بها يا أبا قتادة ، فإنه سيكون لها شأن . ثم أذن بلال فصلى الركعتين قبل الفجر ، ثم صلى الفجر ، ثم ركب وركبنا ، فقال بعض لبعض : فرطنا في صلاتنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تقولون ؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم ، وإن كان أمر دينكم فإلي . قلنا : فرطنا في صلاتنا . قال : لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة ، فإذا كان ذلك فصلوها من الغد لوقتها . ثم قال : ظنوا بالقوم . فقلنا : إنك قلت بالأمس : إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا ، فأتى الناس الماء . فقال : أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم ، فقال بعض القوم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 318 ] بالماء ، وفي القوم أبو بكر وعمر قالا : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم ، وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا ، قالها ثلاثا . فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله هلكنا ، عطشنا ، انقطعت الأعناق . قال : " لا هلك عليكم " ، ثم قال : " يا أبا قتادة ائتني بالميضأة " . فأتيته بها فقال : حل لي غمري يعني قدحه فحللته ، فجعل يصب فيه ويسقي الناس ، فقال : " أحسنوا الملء ، فكلكم سيصدر عن ري . فشرب القوم حتى لم يبق غيري ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصب لي فقال : اشرب ، قلت : اشرب أنت يا رسول الله ، قال : إن ساقي القوم آخرهم شربا . فشربت ثم شرب بعدي ، وبقي من الميضأة نحو مما كان فيها ، وهم يومئذ ثلاث مائة .

                                                                                      قال عبد الله : فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدث هذا الحديث في المسجد ، فقال : من الرجل ؟ فقلت : أنا عبد الله بن رباح الأنصاري . فقال : القوم أعلم بحديثهم ، انظر كيف تحدث فإني أحد السبعة تلك الليلة ، فلما فرغت قال : ما كنت أحب أحسب أن أحدا يحفظ هذا الحديث غيري
                                                                                      . ورواه بكر بن عبد الله المزني أيضا عن عبد الله بن رباح . رواه مسلم .

                                                                                      وقال الأوزاعي : حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال : حدثني أنس قال : أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة يخطب الناس ، فأتاه أعرابي ، فقال : يا رسول الله هلك المال وجاع العيال ، فادع الله لنا . فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة ، فوالذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثارت سحابة أمثال الجبال ، ثم لم ينزل عن المنبر حتى رأيت المطر يتحادر [ ص: 319 ] على لحيته ، فمطرنا يومنا ذلك ، ومن الغد ، ومن بعد الغد ، حتى الجمعة الأخرى ، فقام ذلك الأعرابي أو غيره ، فقال : يا رسول الله تهدم البناء وجاع العيال فادع الله لنا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال : " اللهم حوالينا ولا علينا " . فما يشير بيديه إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت ، حتى صارت المدينة مثل الجوبة ، وسال الوادي ، وادي قناة شهرا ، ولم يجئ أحد من ناحية من النواحي إلا حدث بالجود . اتفقا عليه .

                                                                                      ورواه ثابت وعبد العزيز بن صهيب وغيرهما عن أنس .

                                                                                      وقال عثمان بن عمر : وروح بن عبادة : حدثنا شعبة ، عن أبي جعفر الخطمي ، سمع عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث ، عن عثمان بن حنيف ، أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادع الله أن يعافيني . قال : " فإن شئت أخرت ذلك فهو خير لك ، وإن شئت دعوت الله " . قال : فادعه . قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ، ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء : " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه ، فتقضيها لي ، اللهم شفعه في ، وشفعني في نفسي " . ففعل الرجل فبرأ .

                                                                                      قال البيهقي : وكذلك رواه حماد بن سلمة ، عن أبي جعفر الخطمي .

                                                                                      وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي : حدثني أبي ، عن روح بن القاسم ، عن أبي جعفر المديني الخطمي ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن عمه عثمان بن حنيف قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاءه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال : ائت الميضأة فتوضأ ، ثم [ ص: 320 ] صل ركعتين ثم قل : " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري ، اللهم شفعه في ، وشفعني في نفسي " . قال عثمان : فوالله ما تفرقنا ولا طال الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضرر قط . رواه يعقوب الفسوي وغيره ، عن أحمد بن شبيب .

                                                                                      وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : حاب يهودي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم جمله " ، قال : فاسود شعره حتى صار أشد سوادا من كذا وكذا .

                                                                                      ويروى نحوه عن ثمامة ، عن أنس ، وفيه : " فاسودت لحيته بعد ما كانت بيضاء " .

                                                                                      وقال سعيد بن أبي مريم : أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال : أخبرني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن جده قتادة بن النعمان قال : كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر فقلت : لو أني اغتنمت العتمة مع النبي صلى الله عليه وسلم ففعلت ، فلما انصرف أبصرني ومعه عرجون يمشي عليه ، فقال : " يا قتادة هذه الساعة " ؟ قلت : اغتنمت شهود الصلاة معك . فأعطاني العرجون فقال : " إن الشيطان قد خلفك في أهلك فاذهب بهذا العرجون فاستعن به حتى تأتي بيتك ، فتجده في زاوية البيت فاضربه بالعرجون " . فخرجت من المسجد فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا ، فاستضأت به فأتيت أهلي فوجدتهم رقودا ، فنظرت في الزاوية فإذا فيها قنفذ ، فلم أزل أضربه به ، حتى خرج .

                                                                                      عاصم عن جده ليس بمتصل ، لكنه قد روي من وجهين آخرين عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وحديث أبي سعيد حديث [ ص: 321 ] قوي .

                                                                                      وقال حرمي بن عمارة : حدثنا عزرة بن ثابت ، عن علباء بن أحمر قال : حدثني أبو زيد الأنصاري قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ادن مني . قال : فمسح بيده على رأسي ولحيتي ، ثم قال : " اللهم جمله وأدم جماله " . قال : فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض إلا نبذ يسير ، ولقد كان منبسط الوجه لم يتقبض وجهه حتى مات . قال البيهقي : هذا إسناد صحيح موصول ، وأبو زيد هو عمرو بن أخطب .

                                                                                      وقال علي بن الحسن بن شقيق : حدثنا الحسين بن واقد قال : حدثنا أبو نهيك الأزدي عن عمرو بن أخطب وهو أبو زيد قال : استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته بإناء فيه ماء ، وفيه شعرة فرفعتها ثم ناولته ، فقال : " اللهم جمله " ، قال : فرأيته ابن ثلاث وتسعين سنة ، وما في رأسه ولحيته طاقة بيضاء .

                                                                                      وقال معتمر بن سليمان : حدثنا أبي ، عن أبي العلاء قال : كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه ، فمر رجل في مؤخر الدار ، قال : فرأيته في وجهه ، قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجهه ، قال : وكنت قلما رأيته إلا رأيته كأن على وجهه الدهان . رواه عارم ، ويحيى بن معين ، عن معتمر .

                                                                                      وقال عكرمة بن عمار : حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع قال : حدثني أبي أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال : " كل بيمينك " . قال : لا أستطيع . قال : " لا استطعت " ، ما منعه إلا الكبر . [ ص: 322 ] قال : فما رفعها إلى فيه بعد . أخرجه مسلم .

                                                                                      وقال حميد ، عن أنس قال : جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ، فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ والولد ينزع إلى أبيه وينزع إلى أمه ؟ قال : " أخبرني بهن جبريل آنفا " - قال عبد الله : ذاك عدو اليهود من الملائكة " أما أول أشراط الساعة ، فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت ، وأما الولد ، فإذا سبق ماء الرجل نزعه إلى أبيه ، وإذا سبق ماء المرأة نزعه إلى أمه " . فأسلم ابن سلام . وذكر الحديث . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال يونس بن بكير ، عن أبي معشر المدني ، عن المقبري مرسلا ، فذكر نحوا منه ، وفيه : " فأما الشبه فأي النطفتين سبقت إلى الرحم فالولد به أشبه " .

                                                                                      وقال معاوية بن سلام ، عن زيد بن سلام ، عن أبي سلام : أخبرني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان حدثه ، قال : كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء حبر ، فقال : السلام عليك يا محمد . فدفعته دفعة كاد يصرع منها ، فقال : لم تدفعني ؟ قلت : ألا تقول : يا رسول الله! قال : إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن اسمي الذي سماني به أهلي محمد " . فقال اليهودي : أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ؟ قال : " في الظلمة دون الجسر " ، قال : فمن أول الناس إجازة ؟ قال : " فقراء المهاجرين " . قال : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : " زيادة كبد نون " . قال : فما غذاؤهم على أثره ؟ قال : ينحر لهم ثور [ ص: 323 ] الجنة الذي كان يأكل من أطرافها " . قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : " من عين فيها تسمى سلسبيلا " ، قال : صدقت . قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي ، أو رجل ، أو رجلان . قال : " ينفعك إن حدثتك " ؟ قال : أسمع بأذني . فقال : " سل " . قال : جئت أسألك عن الولد . قال : " ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله " . فقال اليهودي : صدقت وإنك لنبي . ثم انصرف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه سألني هذا الذي سألني عنه ، وما أعلم شيئا منه حتى أتاني الله به " . رواه مسلم .

                                                                                      وقال عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر قال : حدثني ابن عباس قال : حضرت عصابة من اليهود يوما النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبي . قال : " سلوا عم شئتم ، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه ، إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه لتبايعني على الإسلام . قالوا : لك ذلك ، قال : " فسلوني عم شئتم " . قالوا : أخبرنا عن أربع خلال نسألك : أخبرنا عن الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه ، حتى يكون ذكرا ، وكيف تكون الأنثى منه حتى تكون أنثى ؟ ومن وليك من الملائكة ، قال : " فعليكم عهد الله لئن أنا حدثتكم لتبايعني " ، فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق ، قال : " أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا طال سقمه منه ، فنذر لله لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه : ألبان الإبل ، وأحب الطعام إليه ، لحمانها " ؟ قالوا : اللهم نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم اشهد عليهم " ، قال : أنشدكم بالله [ ص: 324 ] الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله ، فإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله ، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كانت أنثى بإذن الله ؟ " قالوا : اللهم نعم . قال : " اللهم اشهد " ، قال : أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه " ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : " اللهم اشهد عليهم " . قالوا : أنت الآن ، حدثنا من وليك من الملائكة ؟ فعندها نجامعك أو نفارقك . قال : " وليي جبريل ، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه " . قالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليك غيره من الملائكة لبايعناك وصدقناك . قال : " ولم " ؟ قالوا : إنه عدونا من الملائكة . فأنزل الله عز وجل : ( من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ( 97 ) ) [ البقرة ] الآية . ونزلت : ( فباءوا بغضب على غضب ( 90 ) ) [ البقرة ] .

                                                                                      وقال يزيد بن هارون : أخبرنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسال قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي فنسأله ، فقال الآخر : لا تقل نبي ، فإنه إن سمعك تقول نبي كانت له أربعة أعين . فانطلقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألاه عن قوله : تسع آيات بينات . قال : " لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تسحروا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تفروا من الزحف ، ولا تقذفوا محصنة شك شعبة وعليكم خاصة معشر اليهود أن لا تعدوا في السبت " . فقبلا يديه ورجليه ، وقالا : نشهد أنك نبي . قال : " فما يمنعكما أن تسلما " ؟ قالا : إن داود سأل ربه أن لا يزال في ذريته نبي ، ونحن نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود .

                                                                                      [ ص: 325 ] وقال عفان : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبيدة بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : إن الله ابتعث نبيه لإدخال رجال الجنة ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم كنيسة فإذا هو بيهود ، وإذا يهودي يقرأ التوراة ، فلما أتى على صفته أمسك ، وفي ناحيتها رجل مريض ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما لكم أمسكتم " ؟ فقال المريض : إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا . ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة ، وقال : ارفع يدك ، فقرأ ، حتى أتى على صفته ، فقال : هذه صفتك ، وصفة أمتك ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، ثم مات . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لوا أخاكم " .

                                                                                      وقال يزيد بن هارون : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن الزبير أبي عبد السلام ، عن أيوب بن عبد الله بن مكرز ، عن وابصة هو الأسدي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه ، فجعلت أتخطى الناس ، فقالوا : إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت : دعوني أدنو منه ، فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه . فقال : " ادن يا وابصة " . فدنوت حتى مست ركبتي ركبته ، فقال : " يا وابصة أخبرك بما جئت تسألني عنه ، أو تسألني ؟ " . فقلت : أخبرني يا رسول الله . قال : " جئت تسأل عن البر والإثم " ؟ قلت : نعم . قال : فجمع أصابعه فجعل ينكت بها في صدري ويقول : يا وابصة استفت قلبك ، استفت نفسك ، البر : ما اطمأن إليه القلب ، واطمأنت إليه النفس ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك .

                                                                                      وقال ابن وهب : حدثني معاوية ، عن أبي عبد الله محمد الأسدي ، سمع وابصة الأسدي قال : جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله عن البر والإثم ، [ ص: 326 ] فقال من قبل أن أسأله : " جئت تسألني عن البر والإثم " ؟ قلت : إي والذي بعثك بالحق ، إنه للذي جئت أسألك عنه . فقال : " البر ما انشرح له صدرك ، والإثم ما حاك في نفسك ، وإن أفتاك عنه الناس " .

                                                                                      وقال محمد بن إسحاق ، وروح بن القاسم ، عن إسماعيل بن أمية ، عن بجير بن أبي بجير ، سمع عبد الله بن عمرو أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا إلى الطائف ، فمررنا بقبر ، فقال : " هذا قبر أبي رغال ، وهو أبو ثقيف ، وكان من قوم ثمود ، فلما أهلك الله قومه منعه مكانه من الحرم ، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان ، فدفن فيه ، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب ، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه " . قال : فابتدرناه فاستخرجنا الغصن .

                                                                                      [ ص: 327 ]

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية