الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة : حدثتني فاطمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلي : " إنك أول أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك " . متفق عليه .

                                                                                      وقال سعد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه كان في الأمم محدثون ، فإن يكن في هذه الأمة فهو عمر بن الخطاب " . رواه مسلم .

                                                                                      وقال شعبة ، عن قيس ، عن طارق بن شهاب قال : كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسان ملك .

                                                                                      ومن وجوه ، عن علي : ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر .

                                                                                      وقال يحيى بن أيوب المصري ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر بعث جيشا ، وأمر عليهم رجلا يدعى سارية ، فبينما عمر يخطب ، فجعل يصيح : يا ساري الجبل ، فقدم رسول من ذلك الجيش فقال : يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا ، فإذا صائح يصيح : يا ساري الجبل ، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله ، فقلنا لعمر : كنت تصيح [ ص: 335 ] بذلك .

                                                                                      وقال ابن عجلان : وحدثنا إياس بن معاوية بذلك .

                                                                                      وقال الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أسير بن جابر ، فذكر حديث أويس القرني بطوله ، وفيه : فوفد أهل الكوفة إلى عمر ، وفيهم رجل يدعى أويسا ، فقال عمر : أما ههنا من القرنيين أحد ؟ . قال : فدعي ذلك الرجل ، فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن رجلا من أهل اليمن يقدم عليكم ، ولا يدع بها إلا أما له ، قد كان به بياض فدعا الله أن يذهبه عنه ، فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدرهم ، يقال له أويس ، فمن لقيه منكم فليأمره فليستغفر لكم . أخرجه مسلم مختصرا عن رجاله عن الجريري ، وأخرجه أيضا مختصرا من وجه آخر .

                                                                                      وقال حماد بن سلمة ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أسير ، قال : لما أقبل أهل اليمن جعل عمر يستقرئ الرفاق ، فيقول : هل فيكم أحد من قرن ؟ حتى آتي على قرن ، قال : فوقع زمام عمر أو زمام أويس ، فناوله عمر ، فعرفه بالنعت ، فقال عمر : ما اسمك ؟ قال : أويس . قال : هل كانت لك والدة ؟ قال : نعم . قال : هل كان بك من البياض شيء ؟ قال : نعم ، دعوت الله فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي . فقال له عمر : استغفر لي . قال : أنت أحق أن تستغفر لي ، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن خير التابعين رجل يقال له أويس القرني ، وله والدة ، وكان به بياض " . الحديث .

                                                                                      [ ص: 336 ] وقال هشام الدستوائي ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن أسير بن جابر قال : كان عمر إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس ، فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم . قال : من مراد ثم من قرن ؟ قال : نعم . قال : كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال : نعم . قال : ألك والدة ؟ قال : نعم . فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن ، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فاستغفر لي . فاستغفر له ، ثم قال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة . قال : ألا أكتب إلى عاملها فيستوصوا بك خيرا ؟ فقال : لأن أكون في غبراء الناس أحب إلي . فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم ، فسأله عمر عن أويس ، كيف تركته ؟ قال : رث البيت قليل المتاع ، قال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يأتي عليكم أويس مع أمداد اليمن ، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " . فلما قدم الرجل أتى أويسا فقال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي . وقال : لقيت عمر بن الخطاب ؟ قال : نعم . قال : فاستغفر له . قال : ففطن له الناس ، فانطلق على وجهه . قال أسير بن جابر : فكسوته بردا ، فكان إذا رآه إنسان ، قال : من أين لأويس هذا . رواه مسلم بطوله .

                                                                                      وقال شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لما كان يوم صفين ، نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي : [ ص: 337 ] " أفيكم أويس القرني " ؟ قالوا : نعم . فضرب دابته حتى دخل معهم ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خير التابعين أويس القرني " .

                                                                                      وقال الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة قال : كنا جلوسا عند عمر رضي الله عنه فقال : أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ؟ قلت : أنا . قال : هات إنك لجريء . فقلت : ذكر فتنة الرجل في أهله ، وماله ، وولده ، وجاره ، تكفرها الصلاة ، والصدقة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . قال : ليس هذا أعني ، إنما أعني التي تموج موج البحر . قلت : يا أمير المؤمنين ليس ينالك من تلك شيء ، إن بينك وبينها بابا مغلقا . قال : أرأيت الباب يفتح أو يكسر ؟ قال : لا ، بل يكسر . قال : إذا لا يغلق أبدا . قلت : أجل . فقلنا لحذيفة : أكان عمر يعلم من الباب ؟ قال : نعم ، كما يعلم أن غدا دونه الليلة ، وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط . فسأله مسروق : من الباب ؟ قال : عمر . أخرجاه .

                                                                                      وقال شريك بن أبي نمر ، عن ابن المسيب ، عن أبي موسى الأشعري في حديث القف : فجاء عثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ائذن له وبشره بالجنة ، على بلوى أو بلاء يصيبه " متفق عليه .

                                                                                      وقال القطان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن أبي سهلة مولى عثمان ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ادعي لي - أو ليت عندي رجلا من أصحابي " . قالت : قلت : أبو بكر ؟ قال : " لا " ، قلت : عمر ؟ قال : " لا " ، قلت : ابن عمك علي ؟ قال : " لا " ، قلت : فعثمان ؟

                                                                                      [ ص: 338 ] قال : " نعم " . قالت : فجاء عثمان ، فقال : قومي . قال : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلى عثمان ، ولون عثمان يتغير ، فلما كان يوم الدار قلنا : ألا تقاتل ؟ قال : لا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أمرا ، فأنا صابر نفسي عليه
                                                                                      .

                                                                                      وقال إسرائيل وغيره ، عن منصور ، عن ربعي ، عن البراء بن ناجية الكاهلي فيه جهالة عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تدور رحى الإسلام عند رأس خمس أو ست وثلاثين سنة ، فإن يهلكوا فسبيل من هلك ، وإلا تروخي عنهم سبعين سنة " . فقال عمر : يا رسول الله ، أمن هذا أو من مستقبله ؟ قال : " من مستقبله " .

                                                                                      وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس قال : لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر ، نبحت عليها كلاب الحوأب ، فقالت : أي ماء هذا ؟ قالوا : الحوأب . قالت : ما أظنني إلا راجعة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب " . فقال الزبير : تقدمي لعل الله أن يصلح بك بين الناس .

                                                                                      وقال أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان ، تكون بينهما مقتلة عظيمة ، دعواهما واحدة " . رواه البخاري .

                                                                                      وأخرجا من حديث همام ، عن أبي هريرة نحوه .

                                                                                      وقال صفوان بن عمرو : كان أهل الشام ستين ألفا ، فقتل منهم عشرون ألفا ، وكان أهل العراق مائة ألف وعشرين ألفا ، فقتل منهم [ ص: 339 ] أربعون ألفا ، وذلك يوم صفين .

                                                                                      وقال شعبة : حدثنا أبو مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : حدثني من هو خير مني - يعني أبا قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار " تقتلك الفئة الباغية " .

                                                                                      وقال الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . رواهما مسلم .

                                                                                      وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة قال : أخبرني عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة قال : قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : أما علمت أنا كنا نقرأ : جاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله! قال : فقال عبد الرحمن : ومتى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : إذا كانت بنو أمية الأمراء ، وبنو المغيرة الوزراء . رواه الرمادي عنه .

                                                                                      وقال أبو نضرة ، عن أبي سعيد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق " . رواه مسلم .

                                                                                      وقال سعيد بن مسروق ، عن عبد الرحمن بن أبي نعم ، عن أبي سعيد ، أن عليا رضي الله عنه بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني وهو باليمن بذهب في تربتها ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة : بين عيينة بن بدر الفزاري ، وعلقمة بن علاثة الكلابي ، والأقرع بن حابس الحنظلي ، وزيد الخيل الطائي ، فغضبت قريش ، والأنصار ، وقالوا : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما أعطيهم أتألفهم " . فقال رجل غائر العينين ، محلوق الرأس ، مشرف الوجنتين ، [ ص: 340 ] ناتئ الجبين ، فقال : اتق الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فمن يطع الله إن عصيته أيأمنني أهل السماء ولا تأمنوني " ؟ فاستأذنه رجل في قتله ، فأبى ثم قال : " يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، والله لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " . رواه مسلم ، وللبخاري بمعناه .

                                                                                      الأوزاعي ، عن الزهري : حدثني أبو سلمة ، والضحاك ، يعني المشرقي ، عن أبي سعيد قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم قسما ، فقال ذو الخويصرة من بني تميم : يا رسول الله اعدل ! فقال : " ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل " . فقام عمر فقال : يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه . قال : " لا ، إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء آيتهم رجل أدعج إحدى يديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر . قال أبو سعيد : أشهد لسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أني كنت مع علي رضي الله عنه حين قتلهم ، فالتمس في القتلى وأتي به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه البخاري .

                                                                                      [ ص: 341 ] وقال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : ذكر علي رضي الله عنه أهل النهروان فقال : فيهم رجل مودن اليد ، أو مثدون اليد ، أو مخدج اليد ، لولا أن تبطروا لنبأتكم بما وعد الله الذين يقاتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم . قلت : أنت سمعت هذا ؟ قال : إي ورب الكعبة . رواه مسلم .

                                                                                      وقال حماد بن زيد ، عن جميل بن مرة ، عن أبي الوضي السحيمي قال : كنا مع علي بالنهروان ، فقال لنا : التمسوا المخدج . فالتمسوه فلم يجدوه ، فأتوه فقال : ارجعوا فالتمسوا المخدج ، فوالله ما كذبت ولا كذبت ، حتى قال ذلك مرارا . فرجعوا فقالوا : قد وجدناه تحت القتلى في الطين فكأني أنظر إليه حبشيا ، له ثدي كثدي المرأة ، عليه شعيرات كشعيرات التي على ذنب اليربوع ، فسر بذلك علي . رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " .

                                                                                      وقال شريك ، عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب قال : جاء رأس الخوارج إلى علي ، فقال له : اتق الله فإنك ميت . فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ولكني مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه - وأشار بيده إلى لحيته ، عهد معهود وقضاء مقضي ، وقد خاب من افترى .

                                                                                      وقال أبو النضر : حدثنا محمد بن راشد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري - وكان أبوه بدريا قال : خرجت مع أبي عائدا لعلي رضي الله عنه من مرض أصابه ثقل منه ، فقال له أبي : ما يقيمك بمنزلك هذا ، لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة ! تحمل إلى المدينة ، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا [ ص: 342 ] عليك . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أني لا أموت حتى أؤمر ، ثم تخضب هذه من دم هذه يعني لحيته من دم هامته فقتل ، وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين .

                                                                                      وقال الحسن ، عن أبي بكرة : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، والحسن بن علي إلى جنبه ، وهو يقول : " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين " . أخرجه البخاري دون " عظيمتين " .

                                                                                      وقال ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عمير بن الأسود ، حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت ، وهو بساحل حمص ، وهو في بناء له ، ومعه امرأته أم حرام ، قال : " فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا " . قالت أم حرام : يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : " أنت فيهم " . قالت : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم " . قالت أم حرام : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : " لا " أخرجه البخاري . فيه إخباره عليه السلام أن أمته يغزون البحر ، ويغزون مدينة قيصر .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية