الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 147 ] فرع [ التحديد بما يجري مجرى التقسيم ] قال الأستاذ : اختلفوا في التحديد بما يجري مجرى التقسيم ، فالمانعون من تركيب الحد منعوه ، وأجازه أكثر من أجاز التركيب . نحو : الخبر ما كان صدقا أو كذبا ، وحقيقة الوجود ما كان قديما أو محدثا ، وحكى بعض المتأخرين ثلاثة مذاهب في أن التقسيم في الحد هل يفسده ؟ أحدها : نعم ; لأن المسئول عنه بصفة واحدة ، والتقسيم يقتضي التعدد ; لأن حرف " أو " للتردد ، وهو مناف للتعريف . والثاني : لا ; لأن المراد أحدهما ولا تردد فيه . والثالث : وصححه ، إن كان التقسيم من نفس الحد أفسده ، وإن كان خارجا عنه لمقصود البيان لم يفسده . قال : وإنما يكون التقسيم من نفس الحد إذا كان بحيث إذا أسقط من الحد ورد عليه ما يبطله ، ومنها قالوا : لا يجوز أن تصدر الحدود بلفظة " كل " هكذا أطلقوه . وكان مقصودهم باعتبار الكلية ، أي كل واحد ; لأن الحد حينئذ يكون لكل فرد ، فيكون حدا واحدا لأشياء متعددة صادقا على كل منها . مثاله : الإنسان كل حيوان ناطق باعتبار كل واحد ، فيكون الحد منطقيا على كل فرد ، فيكون حدا واحدا صادقا على ذوات متعددة . وهو باطل ; لأنك تكون حكمت على زيد مثلا بأنه كل حيوان ناطق ، وغيره يشاركه في ذلك ، فيكون غير مانع ، ويجب تنزيل إطلاقهم المنع على هذا [ ص: 148 ] أما باعتبار الكلي المجموعي فلا يمتنع أن يؤتى بلفظ " كل " في الحدود ; لأن المحدود حينئذ الماهية المركبة من أجزاء متعددة مرادة بلفظ " كل " ، والحد لمجموعها ، إذ لا مانع أن تحد شيئا واحدا مركبا من أجزاء خارجية ينفصل بعضها عن بعض وذلك كثير .

                                                      ومن هاهنا يظهر أن الكلي لا يجوز تصدير حده بلفظة " كل " ; لأن الحد فيه ليس باعتبار الكلية ، و " كل " موضوعها كلية . ومن اللفظية توقي الألفاظ الغريبة الوحشية والاشتراك [ و ] الإجمال والتكرار والمجاز غير الشائع من غير قرينة لبعد البيان ، فإن اقترنت قرينة معرفة ففيه خلاف . قال الأنباري : والصحيح : القبول ، والأحسن : الترك ، وقال في موضع آخر : إن كان اللفظ نصا فهو أحسن ما يستعمل في الحدود ، وكذا إن كان ظاهرا واحتماله بعيد . فإن كان مشتركا أو ملتبسا فلا يصح استعماله مجردا عن القرينة بحال ، واختلفوا في صحته مع القرينة المقالية كقولنا : العلم الثقة بالمعلوم ، فإن الثقة مشتركة بين الأمانة والعلم : لكن ذكر المعلوم يقطع ذلك الاشتراك ، ويبين مقصود المتكلم منه . وهل يكون اقتران القرينة الحالية بين المتخاطبين يقوم مقام القرينة اللفظية ؟ هذا أيضا مختلف فيه . ا هـ .

                                                      وقال القاضي عبد الوهاب في " الإفادة " : اختلفوا في التحديد بالمجاز ، فأجازه قوم ، ومنعه آخرون ; لأن الحد إنما يكون بالوصف اللازم ، والمجاز غير لازم . والصحيح : جوازه ; لأن الغرض التبيين ، وقال المقترح : اختلفوا في ألفاظ الاستعارة والمجاز هل تستعمل في الحدود ؟ فقيل : بالمنع مطلقا لما فيه من اللبس عند السامع ، وقيل : نعم ; لأنها تدخل على الجملة . [ ص: 149 ] وفصل آخرون بين المستعمل المشهور ، وبين ما ليس كذلك ، فإن كان مشهورا استعمل ، وهو رأي إمام الحرمين في " الشامل " ، والغزالي في " المستصفى " . فقال : يجب طلب النهي ما أمكن فإن أعوزك النص وافتقرت إلى الاستعارة ، فاطلب من الاستعارات ما هو أشد مناسبة للغرض . انتهى . ويجب أن يبتدأ بالأعم ثم بالأخص في الحدود التامة ; لأن الأعم منها هو الجنس ، فلا يقال : مسكر معتصر من العنب بل بالعكس ; لأنه لا يمكن معرفة الأخص مع الغفلة عن الأعم . فإذا ذكر الأخص أولا تعذر الفهم حتى يذكر الأعم . ثم يفهم الأخص فيتراخى الفهم عن الذاكر ، وليس كذلك إذا ذكر الأعم أولا ، ولأن بتقديم الأخص يختل الجزء الصوري من الحد ، فلا يكون تاما مشتملا على جميع الأجزاء ، وأما غير التام فتقديم الأعرف أولى ، وليس بواجب .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية