الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وكره الزيادة على أربع في نفل النهار وعلى ثمان ليلا ) أي بتسليمة والأصل فيه أن النوافل شرعت توابع للفرائض والتبع لا يخالف الأصل فلو زيدت على الأربع في النهار لخالفت الفرائض وهذا هو القياس في الليل إلا أن الزيادة على الأربع إلى الثمان عرفناه بالنص وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { كان يصلي بالليل خمس ركعات سبع ركعات تسع ركعات إحدى عشرة ركعة ثلاث عشرة ركعة } والثلاث من كل واحد من هذه الأعداد الوتر وركعتان سنة الفجر فيبقى ركعتان وأربع وست وثمان فيجوز إلى هذا القدر بتسليمة واحدة من غير كراهة واختلف المشايخ في الزيادة على الثمان بتسليمة واحدة مع اختلاف التصحيح فصحح الإمام السرخسي عدم الكراهة معللا بأن فيه وصل العبادة بالعبادة وهو أفضل ورده في البدائع بأنه يشكل بالزيادة على الأربع في النهار قال والصحيح أنه يكره لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وفي منية المصلي أن الزيادة المذكورة مكروهة بالإجماع أي بإجماع أبي حنيفة وصاحبيه وبه يضعف قول السرخسي وصحح في الخلاصة ما ذهب إليه السرخسي ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل أنه { كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا } إلا أن هذا يقتضي عدم جواز القعود فيها أصلا إلا بعد الثامنة وجواز التنفل بالوتر من الركعات وكلمتهم على وجوب القعدة على رأس الركعتين من النفل مطلقا وإنما الخلاف في الفساد بتركها وعلى كراهة التنفل بالوتر من الركعات ومن العجب ما ذكره الطحاوي من رده استدلالهم على إباحة الثمان بتسليمة واحدة بما ثبت عن عائشة من رواية الزهري أنه كان يسلم من كل اثنتين منهن ولم نجد عنه من فعله ولا من قوله أنه أباح أن يصلي في الليل بتكبيرة أكثر من ركعتين وبذلك نأخذ وهو أصح القولين في ذلك انتهى وذكر في غاية البيان أن الحق ما قاله الطحاوي لأن استدلالهم استدلال بالمحتمل فلا يكون حجة وهذا لأنه يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي أربع ركعات فرض العشاء وأربع ركعات سنة العشاء وثلاث ركعات الوتر فيكون المجموع إحدى عشرة ركعة وليس في حديث عائشة قيد التطوع حتى يدل على إباحة الثمان على أن عائشة في رواية الزهري عن عروة فسرت الإجمال وأزالت الاحتمال فلم يدل على إباحة ثمان ركعات بتسليمة انتهى لأن ما ذكرناه عن [ ص: 58 ] صحيح مسلم صريح في رد كلام الطحاوي ومن تبعه لأن الثمان كانت نفلا بتسليمة واحدة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله يشكل بالزيادة إلخ ) يفيد أن الزيادة في نفل النهار متفق عليها وبه صرح في النهر فقال وكره الزيادة على أربع بتسليمة في نفل النهار باتفاق الروايات لأنه لم يرد أنه عليه الصلاة والسلام زاد على ذلك ولولا الكراهة لزاد تعليما للجواز كذا قالوا وهذا يفيد أنها تحريمية ا هـ .

                                                                                        لكن في هذه الإفادة نظر لتوقفها على ثبوت أن كل ما كان جائزا كان يفعله عليه الصلاة والسلام تعليما للجواز وأن كل شيء لم يفعله عليه الصلاة والسلام يكون غير جائز وليس بالواقع والكراهة التحريمية لا بد لها من دليل خاص تأمل ( قوله إلا أن هذا يقتضي إلخ ) قال في البرهان مجيبا عن هذا الإشكال اتفاق الأئمة على القعود على رأس كل شفع لما روينا دليل انتساخه أو أنه من خصائصه صلى الله تعالى عليه وسلم كذا في حاشية نوح أفندي على الدرر ( قوله لأن ما ذكرناه إلخ ) قال في إمداد الفتاح عن البرهان بعدما أورد على الطحاوي حديث مسلم إلا أن اتفاق الأئمة على القعود على رأس كل شفع لما روينا دليل انتساخه أو أنه من خصائصه صلى الله تعالى عليه وسلم ا هـ .

                                                                                        وأجاب في الإمداد عن الطحاوي بأنه ليس مراده نفي الوجدان من أصله بل وجدان ما ليس معارضا ولا حاظرا ولا منسوخا ويكون المروي في مسلم محتملا لبيان الصحة لو فعل لا ندب الفعل ولذا قال في الاختيار وصلاة الليل ركعتان بتسليمة أو أربع أو ست أو ثمان وكل ذلك نقل في تهجده صلى الله تعالى عليه وسلم [ ص: 58 ] ا هـ .

                                                                                        والشأن في بيان الأفضل انتهى لكن لا يخفى عليك أن قول الطحاوي لم نجد أنه أباح إلخ ينافيه ما ذكره من التأويل لحديث مسلم

                                                                                        وما نقله عن الاختيار والحاصل أن إنكار كونه عليه الصلاة والسلام يصلي أربعا بعيد جدا ولذا قال في فتح القدير لا يخفى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي أربعا كما كان يصلي ركعتين فرواية بعض فعله أعني فعل الأربع لا يوجب المعارضة ا هـ .

                                                                                        وأبعد منه ما قاله في غاية البيان إذ لا يخفى أنه عليه الصلاة والسلام كان يتهجد من الليل بل كان فرضا عليه والكلام في نسخ الفرضية كما مر على أنه يلزم عليه أنه ما كان في بعض الأوقات يصلي الوتر لما مر أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي خمس ركعات سبع ركعات الحديث وفي التتارخانية وما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم صلى أحد عشر ركعات فثلاث منها كان وترا وثماني ركعات صلاة الليل وما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم صلى ثلاثة عشر ركعة فثلاث منها كان وترا وثماني ركعات صلاة الليل وركعتان للفجر قال الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل التفسير منقول عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غير مستخرج من تلقاء أنفسنا .




                                                                                        الخدمات العلمية