الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( خالع بمجهول ) كثوب من غير تعيين ولا وصف أو بمعلوم ومجهول أو بما في كفها ولا شيء فيه وإن علم ذلك كما مر ( أو ) نحو مغصوب أو

                                                                                                                            [ ص: 400 ] ( خمر ) معلومة وهما مسلمان أو غير ذلك من كل فاسد يقصد والخلع معها ( بانت بمهر المثل ) لأنه عقد على منفعة بضع فلم يفسد بفساد عوضه ورجع إلى مقابله كالنكاح ، ومن صرح بفساده مراده من حيث العوض ( وفي قول ببدل الخمر ) المعلومة نظير ما مر في الصداق على الضعيف أيضا هذا كله حيث لا تعليق أو علق بإعطاء مجهول ، لكن مع الجهل بخلاف إن أبرأتني من صداقك أو متعتك مثلا أو دينك فأنت طالق ، فأبرأته جاهلة به أو بما ضم إليه فلا تطلق لأنه إنما علق بإبراء صحيح ولم يوجد كما في إن برئت ومثله ما لو ضم للبراءة إسقاطها لحضانة ولدها لأنها لا تسقط بالإسقاط وجهله كذلك ، وقولهم لا يشترط علم المبرإ محله فيما لا معاوضة فيه بوجه كما اعتمده جمع محققون منهم الزركشي ، وغلط جمعا أجروا كلام الأصحاب على إطلاقه فأخذ جمع بعدهم بهذا الإطلاق غير معمول به ، فإن علماه ولم يتعلق به زكاة وأبرأته غير محجور عليها في مجلس التواجب ، وسيأتي بيانه وقع بائنا ، فإن تعلقت به زكاة لم يقع لأن المستحقين ملكوا بعضه فلم يبرأ من كله ، وظاهر أن العبرة بالجهل به حالا وإن أمكن العلم به بعد البراءة وليس كقارضتك ولك سدس ربع عشر الربح لأنه منتظر فكفى علمه بعد والبراءة ناجزة فاشترط وجود العلم عندها فاندفع قياسها على ذلك ، ومحل ما مر فيما لو كانت محجورة أو تعلق به حق مستحق أو كان ثم جهل ما لم يقل لها بعد أنت طالق ، فإن قاله اتجه أنه إن ظن صحة البراءة وقصد الإخبار عما مضى وطابق الثاني الأول لم يقع وإلا وقع ، ولو أبرأته ثم ادعت جهلها بقدره فإن زوجت صغيرة صدقت بيمينها أو بالغة ودل الحال على جهلها به لكونها مجبرة لم تستأذن فكذلك وإلا صدق بيمينه ، وإطلاق الزبيلي تصديقه في البالغة محمول على ذلك

                                                                                                                            [ ص: 401 ] وفي الأنوار لو قال إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق وقد أقرت به لثالث فأبرأته ، ففي وقوع الطلاق خلاف مبني على أن التعليق بالإبراء محض تعليق فيبرأ وتطلق رجعيا أو خلع بعوض كالتعليق بالإعطاء والأصح الثاني ، فعلى الأول هو كالتعليق بالمستحيل ، وعلى الثاني وجهان ، وأقيس الوجهين الوقوع كأنت طالق إن أعطيتني هذا المغصوب فأعطته ولا يبرأ الزوج وعليها له مهر المثل انتهى . وقوله فيبرأ صحيح لأن الفرض أنه كذبها في إقرارها فاندفع التنظير فيه بأن الفرض أنها أقرت به لثالث فكيف يبرأ ويجري ما تقرر فيما لو أحالت به ثم طلقها على البراءة منه فأبرأته ثم طالبه المحتال وأقام بحوالتها له قبل الإبراء بينة فيغرمه إياه ورجع الزوج عليها بمهر المثل ، هذا والذي دل عليه كلامهم أن الإبراء حيث أطلق إنما ينصرف للصحيح ، وحينئذ فقياس ذلك أنه لا يقع طلاق في الصورتين لأنه لم يبق حال التعليق دين حتى يبرأ منه . نعم إن أراد التعليق على لفظ البراءة وقع رجعيا وفارق المغصوب بأن الإعطاء قيد به والطلاق على ما في كفها مع علمه أنه لا شيء فيه بأنه ذكره عوضا غايته أنه فاسد فرجع لبدل البضع ، بخلاف الإبراء المعلق لا ينصرف إلا لموجود يصح الإبراء منه ، ومر أنه لو علق بإبراء سفيهة فأبرأته لم يقع ، وإن علم سفهها فقياسه هنا عدم الوقوع ، وإن علم إقرارها أو حوالتها ، أما خلع الكفار بنحو خمر فيصح نظرا لاعتقادهم ، فإن أسلما قبل قبضه وجب مهر المثل نظير ما مر في نكاح المشرك ، وأما الخلع مع غير الزوجة من أب أو أجنبي على هذا الخمر أو المغصوب أو عبدها هذا أو على صداقها ولم يصرح بنيابة ولا استقلال بل أطلق فيقع رجعيا ولا مهر سواها ، أو خالع بمعلوم ومجهول فسد المسمى ووجب مهر المثل ، بخلاف الخلع على صحيح وفاسد معلوم نشأ فساده من غير الجهالة فيصح في الصحيح ، ويجب في الفاسد ما يقابله من مهر المثل ،

                                                                                                                            [ ص: 402 ] ومر صحته بميتة لا دم فيقع رجعيا ككل عوض لا يقصد ، والفرق أنها تقصد لأغراض لها وقع عرفا كإطعام الجوارح ، ولا كذلك الدم فاندفع ما قيل إنه يقصد لمنافع كثيرة كما ذكره الأطباء لأنها كلها تافهة عرفا فلم ينظر لها وكذا الحشرات مع أن لها خواص كثيرة

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو بمعلوم ومجهول ) هلا بانت هنا بالمعلوم وحصة المجهول من مهر المثل انتهى سم على حج أقول : يجاب بأن شرط التوزيع أن يكون الحرام معلوما ليتأتى التوزيع عليه إذ المجهول لا يمكن فرضه ليعلم [ ص: 400 ] ما يقابله ( قوله : والخلع معها ) أي أما مع الأجنبي فسيأتي ( قوله : هذا ) أي الخلاف ( قوله : ومثله ) أي في عدم الطلاق ( قوله : إسقاطها لحضانة ) والكلام في المعلق كما هو الفرض ، أما لو طلقها على عدم الحضانة فقط أو على ذلك مع البراءة طلقت وعليها مهر المثل ولم تسقط حضانتها كما مر فيما لو طلقها على أن لا سكنى لها ( قوله : وجهله كذلك ) أي جهل الزوج بالمبرإ منه كجهل المرأة به فيمنع وقوع الطلاق ( قوله : فإن علماه ) محترز ما تقدم من أن جهل أحد الزوجين يمنع الوقوع ( قوله ومحل ما مر ) أي من عدم الوقوع ( قوله : وقصد الإخبار عما مضى ) أي فلو قصد الإنشاء بذلك على ظن صحة البراءة فقضيته وقوع الطلاق رجعيا ( قوله : وطابق الثاني الأول ) أي بأن كان طلقة مثلا ، وقوله لم يقع : أي الثاني ، وقوله وإلا وقع : أي ما أوقعه ثانيا رجعيا ، وقوله ثم ادعت جهلها : أي لتكون البراءة فاسدة فتطالب بما لها عليه ( قوله : فكذلك ) أي تصدق بيمينها ولا وقوع في الصورتين ، وهل يمكن الزوج من قربانها لتصديقها بعدم الوقوع أو لا مؤاخذة له بدعواه علمها بالمبرإ منه المقتضي لوقوع الطلاق فيه نظر ، وقضية ما يأتي عن سم في قوله نعم إن كذبها في إقرارها لثالث إلخ الثاني . [ فائدة ]

                                                                                                                            سئل شيخنا الزيادي عمن قالت له امرأته ابتداء من غير سبق سؤال منه أبرأك الله فقال لها أنت طالق ثلاثا ، فأجاب بقوله الحمد لله يقع الطلاق الثلاث لأنه متبرع به لم يعلقه على شيء انتهى ( قوله : محمول على ذلك ) [ ص: 401 ] أي قوله وإلا صدق ( قوله : وقد أقرت به ) أي الصداق ( قوله : فيبرأ وتطلق رجعيا ) فيما لو علق طلاقها على البراءة : أي وقلنا هو تعليق محض وليس ذلك مفروضا فيما لو أقرت به لآخر ، بل حكم ما لو أقر به لثالث من الوقوع وعدمه مبني على هذا ، فالتنظير الآتي في قوله وقوله فيبرأ صحيح إلخ على ما في بعض النسخ ممنوع ( قوله : فعلى الأول ) أي قوله فيبرأ وتطلق رجعيا ، وقوله وعلى الثاني : أي قوله أو خلع بعوض ( قوله : فقياس ذلك إلخ ) معتمد ( قوله لم يبق حال التعليق ) خرج به ما لو نجز الطلاق بالبراءة كأن قال طلقتك على أني بريء من صداقك وهما أو أحدهما يجهله فيقع الطلاق بائنا بمهر المثل حيث قبلت ( قوله : وفارق المغصوب ) أي فيما لو علق بإعطائها له ( قوله : بخلاف الإبراء المعلق ) صريح في أن ما ذكره عن الأنوار فيما لو أحالت به ثم طلقها على البراءة منه مصور بما إذا كان الطلاق على البراءة بصيغة التعليق وهو الموافق لما مر من أنه لو أوقع الطلاق على البراءة المنجزة بانت بمهر المثل مع فسادها ( قوله : فقياسه هنا إلخ ) معتمد ( قوله : وأما الخلع مع غير الزوجة ) محترز قوله فيما تقدم والخلع معها ( قوله : على هذا الخمر ) صورة هذا أن يصرح بوصف نحو الخمرية والغصب وإلا وقع بائنا بمهر المثل ا هـ سم على حج ( قوله : ويجب في الفاسد ما يقابله ) انظر كيفية التوزيع إذا كان الفاسد نحو ميتة معلوما ا هـ سم [ ص: 402 ] أقول وكيفيته أن تفرض مذكاة فتقسط عليها وعلى المعلومة ( قوله : فيقع رجعيا ) أي في الدم



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 400 ] قوله : بإعطاء مجهول لكن ) أي الإعطاء وعبارة الأذرعي : محل البينونة ووقوع الطلاق في الخلع بالمجهول إذا كان بغير تعليق أو معلقا بإعطاء المجهول ونحوه مما يتحقق إعطاؤه مع الجهالة أما إذا قال مثلا إن أبرأتني من صداقك إلخ ( قوله : وجهله كذلك ) مبتدأ وخبر أي وجهل الزوج كجهل الزوجة في أنه يؤثر في عدم الوقوع ( قوله وقولهم لا يشترط علم المبرإ ) أي من أبرأه غيره ( قوله : في مجلس التواجب ) انظر ما قضيته ( قوله : وطابق الثاني الأول ) انظر ما المراد [ ص: 401 ] بالمطابقة هل هي بالنسبة للعدد أو بالنسبة للصراحة والكناية أو غير ذلك ( قوله : وأقيس الوجهين الوقوع ) أي بائنا بدليل ما بعده ( قوله : وقوله ) أي الأنوار : أي على ما في بعض نسخه ، وفي نسخة أخرى منه بعد قوله خلاف ما نصه : مبني على أن التعليق بالإبراء محض تعليق يقع به الطلاق رجعيا ولا إبراء أو خلع إلخ وهي كذلك في بعض نسخ الشارح مع إسقاط قوله وقوله فيبرأ إلخ فكأن الشارح رجع إلى هذه النسخة آخرا ( قوله : ; لأن الفرض أنه ) أي الثالث ، وإلا فلا عبرة بتكذيب الزوج كما هو ظاهر ، ثم لا يخفى أن ما ذكره مجرد دعوى تحتاج إلى دليل فتأمل .




                                                                                                                            الخدمات العلمية