الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 407 ] باب

                                                                                      في مزاحه ودماثة أخلاقه الزكية

                                                                                      قال مبارك بن فضالة ، عن بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأمزح ، ولا أقول إلا حقا " . إسناده قريب من الحسن .

                                                                                      وقال أبو حفص بن شاهين : حدثنا عثمان بن جعفر الكوفي قال : حدثنا عبد الله بن الحسين قال : حدثنا آدم بن أبي إياس قال : حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قيل : يا رسول الله ، إنك تداعبنا . قال : " إني لا أقول إلا حقا " .

                                                                                      تابعه أبو معشر ، عن المقبري ، وهو صحيح .

                                                                                      وقال الزبير بن بكار : حدثني حمزة بن عتبة ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، أنها مزحت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إنه بعض دعابات هذا الحي من بني كنانة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل بعض مزحنا هذا الحي من قريش " . حمزة لا أعرفه ، والمتن منكر .

                                                                                      وقال زيد بن أبي الزرقاء ، عن ابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس . تفرد به ابن لهيعة ، وضعفه معروف .

                                                                                      وجاء من طريق ابن لهيعة : كان النبي صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع صبي .

                                                                                      وقال أبو تميلة يحيى بن واضح ، عن أبي طيبة عبد الله بن مسلم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فثقل على [ ص: 408 ] القوم بعض متاعهم ، فجعلوا يطرحونه علي ، فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أنت زاملة " .

                                                                                      وقال حشرج بن نباتة ، عن سعيد بن جمهان : سمعت سفينة يقول : ثقل على القوم متاعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابسط كساءك " . فجعلوا فيه متاعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احمل ، فإنما أنت سفينة " . قال : فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة ، حتى بلغ سبعة ما ثقل علي . وهذا يدخل في معجزاته .

                                                                                      وقال علي بن عاصم ، وخالد بن عبد الله : حدثنا حميد ، عن أنس قال : استحمل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أنا أحملك على ولد الناقة " . فقال : وما أصنع بولد ناقة يا رسول الله ؟ فقال : " وهل تلد الإبل إلا النوق " ؟ . صحيح غريب .

                                                                                      وقال الأنصاري : حدثنا حميد ، عن أنس قال : كان ابن لأم سليم ، يقال له أبو عمير ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه . . . الحديث .

                                                                                      وقال شريك ، عن عاصم ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " يا ذا الأذنين " .

                                                                                      وقال محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، أن عائشة قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها ، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها : كلي . فأبت ، فقلت : لتأكلي أو لألطخن وجهك . فأبت ، فوضعت يدي فيها فلطختها وطليت وجهها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، فمر عمر فقال : يا عبد الله ، يا عبد الله ، فظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل ، فقال : " قوما فاغسلا وجوهكما " . فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه .

                                                                                      [ ص: 409 ] وقال عبد الله بن إدريس ، عن حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسان بن ثابت ، وقد رش فناء أطمه ، ومعه أصحابه سماطين ، وجارية يقال لها سيرين ، معها مزهرها تختلف بين السماطين تغنيهم ، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم ولم ينههم ، وهي تقول في غنائها :


                                                                                      هل علي ويحكم إن لهوت من حرج

                                                                                      فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " لا حرج إن شاء الله " .


                                                                                      حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب هذا مدني ، تركه ابن المديني وغيره .

                                                                                      وقال بكر بن مضر ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : دخلت الحبشة المسجد يلعبون ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " أتحبين أن تنظري إليهم " ؟ قلت : نعم . فقال : " تعالي " ، فقام بالباب ، وجئت فوضعت ذقني على عاتقه ، وأسندت وجهي إلى خده ، قالت : ومن قولهم يومئذ : " وأبو القاسم طيب " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسبك " . قلت : لا تعجل يا رسول الله ، قالت : وما بي حب النظر إليهم ، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه .

                                                                                      وفي بعض طرقه : فلا ينصرف حتى أكون أنا الذي أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن ، الحريصة على اللهو .

                                                                                      وفي رواية : والحبشة في المسجد يلعبون بحرابهم ويزفنون .

                                                                                      وقال زيد بن الحباب : أخبرني خارجة بن عبد الله قال : حدثنا يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا لغطا وصوت الصبيان ، فقام ، فإذا حبشية ترقص والصبيان حولها فقال : " يا عائشة تعالي فانظري " . فجئت فوضعت ذقني على منكبه صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 410 ] فجعلت أنظر ، فقال : " ما شبعت " ؟ فجعلت أقول : لا ، لأنظر منزلتي عنده ، إذ طلع عمر رضي الله عنه فارفض الناس عنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فرقوا من عمر " .

                                                                                      خارجة بن عبد الله قال ابن عدي : لا بأس به
                                                                                      .

                                                                                      وقال النسائي : هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : سابقني النبي صلى الله عليه وسلم ، فسبقته ما شاء الله ، حتى إذا رهقني اللحم سابقني فسبقني ، فقال : " هذه بتلك " . صحيح . وأخرجه أبو داود من حديث عروة ، عن أبي سلمة عنها ، وقيل في إسناده غير ذلك .

                                                                                      وقال خالد بن عبد الله الطحان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - وغير خالد يسقط منه أبا هريرة - قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسين ، فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه ، فقال له عيينة بن بدر : ألا أراك تصنع هذا ، فوالله إني ليكون لي الولد قد خرج وجهه ما قبلته قط . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من لا يرحم لا يرحم " .

                                                                                      وقال جعفر بن عون ، عن معاوية بن أبي مزرد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد الحسن أو الحسين ، وهو يقول : ترق عين بقه . فيضع الغلام قدمه على قدم النبي صلى الله عليه وسلم يرفعه إلى صدره ، ثم قبل فاه وقال : اللهم إني أحبه فأحبه .

                                                                                      وقال خالد بن الحارث ، عن أشعث ، عن الحسن ، عن أنس قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستلق ، والحسن بن علي على ظهره .

                                                                                      [ ص: 411 ] وقال محمد بن عمران بن أبي ليلى : حدثني أبي ، حدثني ابن أبي ليلى ، عن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءه الحسن فأقبل يتمرغ عليه ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم قميصه ، فقبل زبيبته .

                                                                                      وقال أبو أحمد الزبيري : حدثنا زمعة بن صالح ، عن الزهري ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن أم سلمة ، أن أبا بكر خرج تاجرا إلى بصرى قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بعام أو عامين ، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة ، وهما بدريان ، وكان سويبط على زادهم ، فجاء نعيمان فقال : أطعمني . فقال : لا ، حتى يأتي أبو بكر . وكان نعيمان مزاحا ، فقال : لأبيعنك . ثم قال لأناس : ابتاعوا مني غلاما ، وهو رجل ذو لسان ، ولعله يقول : أنا حر ، فإن كنتم تاركيه إذا قال ذلك ، فدعوني ولا تفسدوا علي غلامي . قالوا : لا ، بل نبتاعه . فباعه بعشر قلائص ، ثم جاءهم فقال : هو هذا . فقال سويبط : هو كاذب ، وأنا رجل حر . قالوا : قد أخبرنا بخبرك . وطرحوا الحبل والعمامة في رقبته ، وذهبوا به ، فجاء أبو بكر فأخبروه ، فذهب وأصحاب له فردوا القلائص ، وأخذوه ، فضحك منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا . هذا حديث حسن .

                                                                                      وقال الأسود بن عامر : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي جعفر الخطمي ، أن رجلا كان يكنى أبا عمرة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أم عمرة " . فضرب الرجل بيده إلى مذاكيره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " مه " . قال : والله ما ظننت إلا أني امرأة لما قلت لي يا أم عمرة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا بشر مثلكم أمازحكم " . حديث مرسل .

                                                                                      وقال عبد الرزاق : حدثنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس ، أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر ، فكان يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية من البادية ، فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " إن زاهرا باديتنا ، ونحن حاضرته " . [ ص: 412 ] وكان دميما ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، وهو يبيع متاعه ، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره ، فقال : أرسلني ، من هذا ؟ والتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من يشتري مني العبد " . فقال : يا رسول الله ، إذا والله تجدني كاسدا . فقال : " لكن أنت عند الله غال " . صحيح غريب .

                                                                                      وقال خالد بن عبد الله الواسطي ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن ابن أبي ليلى ، عن أسيد بن الحضير قال : بينا رجل من الأنصار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث ، وكان فيه مزاح يحدث القوم ويضحكون ، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته ، فقال : اصبر لي . قال : " أصطبر " . قال : لأن عليك قميص ، ولم يكن علي قميص . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه . فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ويقول : إنما أردت هذا يا رسول الله . رواته ثقات .

                                                                                      وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن جرير قال : ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية