الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السادس : أن يكون مجاهرا بالفسق كالمخنث وصاحب الماخور والمجاهر بشرب الخمر ، ومصادرة الناس ، وكان ممن يتظاهر به بحيث لا يستنكف من أن يذكر له ولا يكره أن يذكر به فإذا ذكرت فيه ما يتظاهر به ، فلا إثم عليك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ألقى جلباب الحياء عن وجهه ، فلا غيبة له وقال عمر رضي الله عنه : ليس لفاجر حرمة وأراد به المجاهر بفسقه دون المستتر إذا ، المستتر لا بد من مراعاة حرمته وقال الصلت بن طريف : قلت للحسن الرجل الفاسق المعلن بفجوره ذكرى ، له بما فيه غيبة له ؟ قال : لا ، ولا كرامة وقال الحسن ثلاثة لا غيبة لهم ; صاحب الهوى ، والفاسق المعلن بفسقه ، والإمام الجائر فهؤلاء الثلاثة يجمعهم أنهم يتظاهرون به ، وربما يتفاخرون به ، فكيف يكرهون ذلك وهم يقصدون إظهاره ؟! نعم لو ذكره بغير ما يتظاهر به إثم وقال ، عوف: دخلت على ابن سيرين فتناولت عنده الحجاج فقال : إن الله حكم عدل ، ينتقم للحجاج ممن اغتابه ، كما ينتقم من الحجاج لمن ظلمه وإنك ، إذا لقيت الله تعالى غدا كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج .

التالي السابق


( السادس: أن يكون مجاهرا بالفسق ) معلنا (كالمخنث) والقواد، (وصاحب الماخور) ، وهو مجلس الشراب، (والمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس بأخذ أموالهم، وكان ممن يتظاهر به، فلا إثم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ألقى جلباب الحياء عن وجهه، فلا غيبة له ) ، الجلباب: الإزار، وكل ما يتستر به من الثوب، وإلقاؤه عن وجهه كناية عن ترك الحياء فيه; لأن النهي عن الغيبة إنما هو لإيذائه المغتاب بما يصيبه من شيء يظهر شينه، فهو يستره، ويكره إضافته له، فلا يقدر على التبري منه، وأما من فضح نفسه بترك الحياء فهو غير مبال بذكره، فمن ذكره لم يلحقه منه أذى، فلا يلحقه وعيد الغيبة. قال العراقي : رواه ابن عدي وأبو الشيخ في كتاب الأعمال بسند ضعيف. اهـ .

قلت: وقد تقدم هذا الحديث في كتاب الزكاة، وقد رواه كذلك ابن حبان في الضعفاء، والخرائطي في مساوئ الأخلاق، والبيهقي في السنن وفي الشعب، والقضاعي في مسند الشهاب ، والديلمي والخطيب وابن عساكر ، وابن النجار ، كلهم من طريق رواد بن الجراح ، عن أبي سعد الساعدي عن أنس مرفوعا بلفظ: "من ألقى جلباب الحياء، فلا غيبة له" ، ولفظ ابن عدي : من خلع، وقال البيهقي : إنه ليس بالقوي، وقال مرة: في إسناده ضعف، وأخرجه ابن عدي أيضا من رواية الربيع بن بدر ، عن أبان ، عن أنس ، وإسناده أضعف من الأول، قال البيهقي : ولو صح فهو في الفاسق المعلن بفسقه، وتقدم شيء من ذلك في كتاب الزكاة. ( وقال عمر رضي الله عنه: ليس لفاجر حرمة ) رواه ابن أبي الدنيا ، عن محمد بن عباد بن موسى ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن همام عن قتادة قال: قال عمر بن الخطاب .. فذكره (وأراد به المجاهر بفسقه دون المستتر، إذ المستتر لا بد من مراعاة حرمته) ; لأنه لا يستتر إلا وهو خائف من لحوق العار والذم إليه، فمثل هذا إذا قيل فيه ما يكرهه يغتم ويحزن ويتأذى، (وقال الصلت بن طريف : قلت للحسن) البصري: (الرجل الفاسق المعلن بفجوره، ذكري له بما فيه غيبة؟ قال: لا، ولا كرامة) رواه ابن أبي الدنيا ، فقال: حدثني يحيى بن جعفر ، أنبأنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي ، حدثنا الصلت بن طريف قال: قلت للحسن .. فذكره، وقال أيضا: حدثني عبيد الله بن جرير ، حدثني موسى بن إسماعيل ، حدثنا الصلت بن طريف المعولي قال: سألت الحسن قلت: رجل قد علمت منه الفجور، وقتلته علما، فذكري له غيبة؟ قال: لا، ولا نعمة عين للفاجر .

(وقال الحسن) البصري رحمه الله: ( ثلاثة لا غيبة لهم; صاحب الهوى، والفاسق المعلن بفسقه، والإمام الجائر ) رواه ابن أبي الدنيا عن محمد بن الحسن بن عباد ، حدثنا يحيى بن أبي بكر ، عن شريك ، عن عقيل ، عن الحسن قال.. فذكره، وقال أيضا: حدثني أبي، حدثنا علي بن شقيق ، أنبأنا خارجة ، حدثنا ابن جابان ، عن الحسن قال: ثلاثة لا تحرم عليك أعراضهم: المجاهر بالفسق، والإمام الجائر، والمبتدع . وقال أيضا: حدثنا عبيد الله بن جرير ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا المبارك عن الحسن قال: إذا ظهر فجوره فلا غيبة له . قال: نحو المخنث، ونحو الحرورية. قال: وحدثني محمد بن عباد بن موسى ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن زائدة بن قدامة قال: قلت لمنصور بن المعتمر : إذا كنت صائما أنال من [ ص: 558 ] السلطان؟ قال: لا. قلت: فأنال من أصحاب الأهواء؟ قال: نعم . وقال أيضا: حدثنا الحسن بن يحيى ، أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم ، قال: إنما الغيبة لمن يعلن بالمعاصي ، وأخرجه كذلك البيهقي في الشعب، وقال أيضا: حدثنا خلف بن هشام ، حدثنا أبو عوانة عن قتادة ، عن الحسن قال: ليس بينك وبين الفاسق حرمة، قال: وكان رجل قد خرج مع يزيد بن المهلب ، فكان الحسن إذا ذكره هرته . (وهؤلاء الثلاثة يجمعهم أنهم متظاهرون به، وربما يتفاخرون به، فكيف يكرهون ذلك وهم يقصدون إظهاره؟! نعم لو اغتابه بغير ما يتظاهر به) ، وكذا بغير ما فيه، (أثم، قال عوف) بن أبي جميلة الأعرابي البصري العبدي: (دخلت على) أبي بكر محمد (بن سيرين) رحمه الله تعالى، (فتناولت عنده الحجاج) بن يوسف الثقفي، (فقال: إن الله حكم عدل، ينتقم للحجاج ممن اغتابه، كما ينتقم من الحجاج لمن ظلمه، كأنك إذا لقيت الله غدا كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج ) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا أبو عمرو العثماني ، حدثنا النعمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن عبد الملك ، حدثنا الهيثم بن عبيد ، حدثنا سهل أخو حزم القطعي ، لا أعلم إلا أنه هو، ذكره، قال: سمع ابن سيرين رجلا يسب الحجاج ، فأقبل عليه، فقال: مه أيها الرجل؛ فإنك لو وافيت الآخرة كان أصغر ذنب عملته قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج ، واعلم أن الله تعالى حكم عدل، إن أخذ من الحجاج لمن ظلمه، فسيأخذ للحجاج ممن ظلمه، ولا تشغلن نفسك بسب أحد .

(تنبيه) :

قولهم: ليس لفاسق غيبة، رواه الطبراني وابن عدي في الكامل، والقضاعي في مسند الشهاب من طريق جعدبة بن يحيى عن العلاء بن بشير عن ابن عيينة ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه، عن جده مرفوعا به، وأخرجه الهروي في ذم الكلام له، وقال: إنه حسن، قال السخاوي : وليس كذلك، وقد قال ابن عدي : إنه معروف بالعلاء، ومنهم من قال عنه، عن الثوري ، وهو خطأ، وإنما هو ابن عيينة ، وهذا اللفظ غير معروف، وكذا قال الحاكم فيما نقله البيهقي في الشعب عنه عقب إيراده: غير صحيح، ولا معتمد، قال الدارقطني : وابن عيينة لم يسمع من بهز ، والله أعلم .




الخدمات العلمية