الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك يمتنع في العلة الغائية، التي يقال لها الحكمة والعاقبة، سواء كانت العلة جوهرا أو عرضا. وذلك أن الغائية يجب تأخرها عن المعلول في الوجود، كما يجب تقدم العلة الفاعلة التي هي السبب، فإذا كان هذا علة ذاك لزم تأخر هذا عن ذاك، وبالعكس، يلزم تأخر ذاك عن هذا، فيكون هذا متأخرا عن نفسه بدرجتين، فيلزم هنا مثل ما لزم هناك، وهو اجتماع النقيضين أربع مرات، فإن امتناع تأخر هذا عن نفسه بدرجة أو درجتين، وهكذا ذاك. [ ص: 89 ]

وكذا إذا قدر أن الغاية عرض من الأعراض، كاللذة مثلا والتنغم والانتفاع وغير ذلك، فإنه يجب تأخر هذا عن ذاك، وذاك عن هذا، فيلزم ما تقدم من التناقض أربع مرات.

وأيضا فالعلة الغائية علة فاعلية للعلة الفاعلية، لأنها متقدمة في العلم والقصد، فيجب أن يكون هذا متقدما على ذاك علما وقصدا، فيكون هو المقصود بالقصد الأول، وأن يكون ذاك متقدما على هذا، فيكون هو المقصود بالقصد الأول، فيلزم تقدم هذا على ذاك، أو تقدم ذاك على هذا، وبالعكس، فيلزم تقدم كل منهما على نفسه بمرتبتين، فكما لا يفعل هذا لذاك، وبالعكس، لا يكون هذا هو المقصود من فعل ذاك وبالعكس.

وهذا يبين في الفاعل الواحد الذي هو القاصد، قدر كل منهما فاعلا مفعولا، والغاية غيرهما، وهنا قدر كل منهما مفعولا وغاية، والفاعل غيرهما، ويجوز أن يكون اثنان مفعولان لفاعل واحد معا، ويكون وجود أحدهما مشروطا بالآخر، بحيث لا يوجد كل منهما إلا مع الآخر، كالمتضايفات، مثل: الأبوة والبنوة وغيرهما، فهما مقترنان متلازمان لفاعل ثالث، فكذلك يجوز أن تكون غاية واحدة مقصودة من مفعولين، ويكون وجود أحدهما مشروطا بوجود الآخر، لا يوجد إلا معه، والغاية أمر ثالث غيرهما، كالأجزاء المركبة، والأمور المتلازمة، والأعضاء ونحو ذلك.

والفاعلان إذا تعاونا على فعل واحد كتعاون المتناظرين والمتحاملين والجيش والسابين ونحو ذلك، لم يكن أحدهما فاعلا [ ص: 90 ] للمفعول، ولا للفاعل الآخر، بل كل منهما فاعل بعض ذلك المفعول، ومفعول أحدهما مع مفعول الآخر وشرط فيه، فالفعلان معا كالأخوين كالوالد والولد.

وكذلك الفعلان، إذا كان لكل منهما غاية، والغايتان متعاونتان مشتركتان، بحيث يكون قصد إحداهما مع قصد الآخر، كالزوجين المتناكحين، وكالمتبايعين ونحوهما ممن يقصد كل منهما بفعله الآخر نظير ما يقصد الآخر بفعله، فهنا ليست واحدة من الغايتين علة للأخرى، بل كل منهما علة فعل الآخر قاصدها، ولكن كل من العلتين المقصودتين الغائيتين معاونة للأخرى ومقارنة لها ودائرة معها دورا معيا، والفاعلان المتعاونان كل منهما لفعله سبب غير المعاون، كذلك المقصودان الغايتان لكل منهما حكمة مقصودة غير الغاية المعاونة، وقد يكون سبب الفاعلين واحدا، كالفاعلين بعضوين، كالذي يأمر رجلين بالتعاون، وكالذي يغسل إحدى اليدين بالأخرى. وقد يكون مقصود المقصودين وغايتهما واحدة، كالغاية من المتناكحين، وهو انعقاد الولد.

التالي السابق


الخدمات العلمية