الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 59 ] ( قوله وطول القيام أحب من كثرة السجود ) أي أفضل من عدد الركعات وقد اختلف النقل عن محمد في هذه المسألة فنقل الطحاوي عنه في شرح الآثار كما في الكتاب وصححه في البدائع ونسب ما قابله إلى الشافعي ووجهه ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أفضل الصلاة طول القنوت } والمراد بالقنوت القيام بدليل ما رواه أحمد وأبو داود مرفوعا { أي الصلاة أفضل قال عليه الصلاة والسلام طول القيام } ولأن ذكره القراءة وذكر الركوع والسجود التسبيح ونقل عنه في المجتبى أن كثرة الركوع والسجود أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام للسائل كما في صحيح مسلم { عليك بكثرة السجود ولآخر أعني على نفسك بكثرة السجود } وقوله عليه الصلاة والسلام { أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد } ولأن السجود غاية التواضع والعبودية ولتعارض الأدلة توقف الإمام أحمد في هذه المسألة ولم يحكم فيها بشيء وفصل الإمام أبو يوسف كما في المجتبى والبدائع فقال إذا كان له ورد من الليل بقراءة من القرآن فالأفضل أن يكثر عدد الركعات وإلا فطول القيام أفضل لأن القيام في الأول لا يختلف ويضم إليه زيادة الركوع والسجود انتهى والذي ظهر للعبد الضعيف أن كثرة الركعات أفضل من طول القيام لأن القيام إنما شرع وسيلة إلى الركوع والسجود كما صرحوا به في صلاة المريض من أنه لو قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود سقط عنه القيام مع قدرته عليهلعجزه عما هو المقصود فلا تكون الوسيلة أفضل من المقصود وأما لزومه لكثرة القراءة فلا يفيد الأفضلية أيضا لأن القراءة ركن زائد كما صرحوا به مع الاختلاف في أصل ركنيتها بخلاف الركوع والسجود أجمعوا على ركنيتهما وأصالتهما كما قدمناه مع تخلف القيام عن القراءة في الفرض فيما زاد على الركعتين فترجح هذا القول بما ذكرنا بعد تعارض الدلائل المتقدمة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله والذي ظهر للعبد الضعيف إلخ ) قال في النهر فيه نظر من وجوه أما أولا فلأن القيام وإن كان وسيلة إلا أن أفضلية طوله إنما كانت بكثرة القراءة فيه وهي وإن بلغت كل القرآن تقع فرضا بخلاف التسبيحات فإنها وإن كثرت لا تزيد على السنة وأما ثانيا فلأن كون القراءة ركنا زائدا مما لا أثر له في الفضيلة بخلاف الركوع والسجود وأما ثالثا فلأن كون القيام يتخلف عن القراءة في الفرض ليس مما الكلام فيه إذ موضوع المسألة في النقل وفيه تجب القراءة في كله ولم أر في كلامهم ما لو تطوع الأخرس هل يكون طول القيام في حقه أفضل كالقارئ أم لا فتدبر ا هـ .

                                                                                        وأقول : على أن الأحاديث الدالة على أفضلية القيام نص في المطلوب لا تحتمل التأويل بخلاف غيرها لاحتمال كون المراد من كثرة السجود كثرة الاشتغال بالصلاة من إطلاق الجزء على الكل فإن السجود يطلق ويراد به الصلاة كما في قوله تعالى { والركع السجود } وقوله تعالى { وتقلبك في الساجدين } وبه تأيد ما في المتون الذي هو قول الإمام وصرح بتصحيحه في البدائع والعجب من الشيخ محمد الغزي حيث تبع شيخه وخالف المتون ومشى في متن التنوير على ما اختاره شيخه هنا مع أن المتون موضوعة لنقل المذهب .




                                                                                        الخدمات العلمية