الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما المفعول، وهو أثر فعلهما، وهو ما قام بالمحمول من الحمل، فأثر فعل أحدهما الموجود في المحمول ليس هو أثر فعل الآخر، بل هو غيره، والمحمول لم يكن محمولا بفعل هذا وحده وأثره، ولا بفعل هذا وحده وأثره، بل بالمجموع، فليس كل منهما فاعلا بل جزء فاعل، والفاعل مجموعهما، وليس كل منهما مستقلا بالحمل في مثل هذا، بل المعلوم بالاضطرار أن المفعول بين فاعلين لا يكون كل منهما مستقلا به، فإن المستقل هو الذي يفعل الفعل وحده، فإذا قدر أن له فيه شريكا وقيل مع ذلك: إنه مستقل، كان جمعا بين النقيضين، وكان التقدير أنه ما فعله إلا وحده، وأنه ما فعله إلا هو وغيره، فيكون فيه إثبات فعل الغير، وهذا جمع بين النقيضين.

وإذا لم يكن أحدهما مستقلا بالفعل في صورة التعاون، فهل يقال: لو انفرد أحدهما لاستقل به؟

هذا قد لا يمكن في صور كثيرة، وفي صور يمكن، كأن يكون حينئذ الفعل الموجود من المستقل أكمل منه إذا كان له معين وشريك.

وأما أن يقال: فعله إذا كان له شريك معاون، مثل فعله إذا كان مستقلا، فهذا باطل، وفيه جمع بين النقيضين أيضا، لأنه إذا كان له شريك معاون، وقدر أن المفعول الموجود معه هو مثل الموجود في صورة الاستقلال سواء، فإن لم يكن لهذا الشريك تأثير فيه لم يكن شريكا، وإن كان له تأثير فقد فعل بعض المفعول، فلا يكون إلا فاعلا [ ص: 96 ] لبعضه، وفي الاستقلال فعله كله.

ومن الممتنع أن يكون بأنه يفعل الجميع وحده، مساويا لما به يفعل البعض من القدرة والعمل إذا كان له شريك، بل هو أكمل معه، كما نجده في الواقع أن الإنسان إذا فعل عملا وحده ما كان يفعله هو وشريكه بغير عمله، ولم يكن حالي الانفراد مثله حال الاشتراك، كما يظهر ذلك في الاشتراك المعوق، كازدحام الرؤساء، فإنه إذا زال الشريك حصل بانفراد الرئيس راحة له وتمكن. كما يتمكن الشريك من التصرف في الملك المشترك إذا صار له وحده ما لم يكن يتمكن حين كان معه شريكه، وقد يعجز عن أن يفعل وحده ما كان يفعل هو وشريكه، وقد يقدر لكن بنوع من زيادة العمل، وهذا كله موجود.

والمقصود هنا أنه من البين في بداءة العقول عند وجود التصرف أن الفعل الواحد لا يكون من فاعلين، ولا المقدور من الواحد قادر بينهما، لما اشتركا فيه وجد من كل منهما بعضه لا كله، إذ صدوره من كل منهما جمع بين النقيضين، وبذلك يتبين أن الاشتراك في الفعل في كل من الشريكين، فإنه إذا لم يكن قادرا على الفعل وحده كان عاجزا، وإن كان قادرا على العمل وحده فوجود الآخر معه منعه عن نفاذ قدرته، إذ هو لا يمكن مع معاونة الآخر أن يفعل الفعل كله، بل بعضه، فإن كان الكل مقدورا كان ممنوعا، وإن لم يكن الكل مقدورا كان عاجزا، والممنوع كالعاجز، فالمشاركة في العمل تقتضي عجز كل منهما، وعدم كمال قدرته على ذلك العمل حين الاشتراك. وهذا تمانع بأن المنع من فعل البعض كالمنع من فعل الجميع، فظهر أن الاشتراك [ ص: 97 ] نفسه مع التعاون والتناصر هو تمانع يقتضي عجز كل منهما.

التالي السابق


الخدمات العلمية