nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28976اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون .
جملة وقعت معترضة بين آية المحرمات المتقدمة ، وبين آية الرخصة الآتية : وهي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فمن اضطر في مخمصة لأن اقتران الآية بفاء التفريع يقضي باتصالها بما تقدمها ، ولا يصلح للاتصال بها إلا قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة الآية .
والمناسبة في هذا الاعتراض : هي أن الله لما حرم أمورا كان فعلها من جملة دين الشرك ، وهي ما أهل لغير الله به ، وما ذبح على النصب ، وتحريم الاستقسام بالأزلام ، وكان في كثير منها تضييق عليهم بمفارقة معتادهم ، والتقليل من أقواتهم ، أعقب هذه الشدة بإيناسهم بتذكير أن هذا كله إكمال لدينهم ، وإخراج لهم من أحوال ضلال الجاهلية ، وأنهم كما أيدوا بدين عظيم سمح فيه صلاحهم ، فعليهم أن يقبلوا ما فيه من الشدة الراجعة إلى إصلاحهم : فالبعض مصلحته راجعة إلى المنافع البدنية ، والبعض مصلحته راجعة إلى الترفع عن حضيض الكفر : وهو ما أهل به لغير الله ، وما ذبح على النصب . والاستقسام بالأزلام أذكرهم بفوزهم على من يناويهم ، وبمحاسن دينهم وإكماله ، فإن من إكمال الإصلاح إجراء الشدة عند الاقتضاء . وذكروا بالنعمة ، على
nindex.php?page=treesubj&link=28642_28914_28899عادة القرآن في تعقيب الشدة باللين . وكان المشركون ، زمانا ، إذا سمعوا أحكام الإسلام رجوا أن تثقل على المسلمين فيرتدوا عن الدين ، ويرجعوا
[ ص: 100 ] إلى الشرك ، كما قال المنافقون :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=7لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا . فلما نزلت هذه الأحكام أنزل الله هذه الآية : بشارة للمؤمنين ، ونكاية بالمشركين . وقد روي : أنها نزلت يوم فتح
مكة ، كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
مجاهد ،
والقرطبي عن
الضحاك . وقيل : نزلت يوم
عرفة في حجة الوداع مع الآية التي ستأتي عقبها ، وهو ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
ابن زيد وجمع ، ونسبه
ابن عطية إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وهو الأصح .
فـ ( اليوم ) يجوز أن يراد به اليوم الحاضر ، وهو يوم نزول الآية ، وهو إن أريد به يوم فتح
مكة ، فلا جرم أن ذلك اليوم كان أبهج أيام الإسلام ، وظهر فيه من قوة الدين ، بين ظهراني من بقي على الشرك ، ما أيأسهم من تقهقر أمر الإسلام ، ولا شك أن قلوب جميع العرب كانت متعلقة
بمكة وموسم الحج ومناسكه : التي كانت فيها حياتهم الاجتماعية والتجارية والدينية والأدبية ، وقوام شئونهم ، وتعارفهم ، وفصل نزاعهم ، فلا جرم أن يكون انفراد المسلمين بتلك المواطن قاطعا لبقية آمالهم : من بقاء دين الشرك ، ومن محاولة الفت في عضد الإسلام . فذلك اليوم على الحقيقة يوم تمام اليأس وانقطاع الرجاء ، وقد كانوا قبل ذلك يعاودهم الرجاء تارة . فقد قال
أبو سفيان يوم
أحد : " اعل هبل وقال لنا العزى ولا عزى لكم " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية أو أخوه ، يوم
هوازن ، حين انكشف المسلمون وظنها هزيمة للمسلمين : " ألا بطل السحر اليوم " .
وكان نزول هذه الآية يوم حجة الوداع مع الآية التي بعدها ، كما يؤيده قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يومئذ في قول كثير من أصحاب السير : أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا ولكنه قد رضي منكم بما دون ذلك فيما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على أنفسكم .
و ( اليوم ) يجوز أن يراد به يوم معين ، جدير بالامتنان بزمانه ،
[ ص: 101 ] ويجوز أن يجعل ( اليوم ) بمعنى الآن ، أي زمان الحال الصادق بطائفة من الزمان ، رسخ اليأس في خلالها ، في قلوب أهل الشرك بعد أن خامر نفوسهم التردد في ذلك ، فإن العرب يطلقون ( اليوم ) على زمن الحال ، و ( الأمس ) على الماضي ، و ( الغد ) على المستقبل . قال
زهير :
وأعلم علم اليوم والأمس قبـلـه ولكنني عن علم ما في غد عمي
يريد باليوم زمان الحال ، وبالأمس ما مضى ، وبالغد ما يستقبل ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=15934زياد الأعجم :
رأيتك أمس خير بني معـد وأنت اليوم خير منك أمس
وأنت غدا تزيد الخير خيرا كذاك تزيد سادة عبد شمس
وفعل ( يئس ) يتعدى بـ ( من ) إلى الشيء الذي كان مرجوا من قبل ، وذلك هو القرينة على أن دخول ( من ) التي هي لتعدية ( يئس ) على قوله ( دينكم ) ، إنما هو بتقدير مضاف ، أي يئسوا من أمر دينكم ، يعني الإسلام ، ومعلوم أن الأمر الذي كانوا يطمعون في حصوله : هو فتور انتشار الدين وارتداد متبعيه عنه .
وتفريع النهي عن خشية المشركين في قوله : ( فلا تخشوهم ) على الإخبار عن يأسهم من أذى الدين : لأن يأس العدو من نوال عدوه يزيل بأسه ، ويذهب حماسه ، ويقعده عن طلب عدوه . وفي الحديث : ( نصرت بالرعب ) . فلما أخبر عن يأسهم طمن المسلمين من بأس عدوهم ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فلا تخشوهم واخشون أو لأن اليأس لما كان حاصلا من آثار انتصارات المسلمين ، يوما فيوما ، وذلك من تأييد الله لهم ، ذكر الله المسلمين بذلك بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ، وإن فريقا لم يغن عنهم بأسهم من الله شيئا لأحرياء بأن لا يخشى بأسهم ، وأن يخشى من خذلهم ومكن أولياءه منهم .
[ ص: 102 ] وقد أفاد قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فلا تخشوهم واخشون ) مفاد صيغة الحصر ، ولو قيل : فإياي فاخشون لجرى على الأكثر في مقام الحصر ، ولكن عدل إلى جملتي نفي وإثبات : لأن مفاد كلتا الجملتين مقصود ، فلا يحسن طي إحداهما . وهذا من الدواعي الصارفة عن صيغة الحصر إلى الإتيان بصيغتي إثبات ونفي ، كقول
السموأل أو
عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي :
تسيل على حد الظبات نفوسنـا وليست على غير الظبات تسيل
ونظيره قوله الآتي فلا تخشوا الناس واخشون .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28976الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ .
جُمْلَةٌ وَقَعَتْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ آيَةِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَبَيْنَ آيَةِ الرُّخْصَةِ الْآتِيَةِ : وَهِيَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فَمَنُ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الْآيَةِ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ يَقْضِي بِاتِّصَالِهَا بِمَا تَقَدَّمَهَا ، وَلَا يَصْلُحُ لِلِاتِّصَالِ بِهَا إِلَّا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ الْآيَةَ .
وَالْمُنَاسَبَةُ فِي هَذَا الِاعْتِرَاضِ : هِيَ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ أُمُورًا كَانَ فِعْلُهَا مِنْ جُمْلَةِ دِينِ الشِّرْكِ ، وَهِيَ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ، وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ، وَتَحْرِيمُ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ ، وَكَانَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا تَضْيِيقٌ عَلَيْهِمْ بِمُفَارَقَةِ مُعْتَادِهِمْ ، وَالتَّقْلِيلِ مِنْ أَقْوَاتِهِمْ ، أَعْقَبَ هَذِهِ الشِّدَّةَ بِإِينَاسِهِمْ بِتَذْكِيرِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إِكْمَالٌ لِدِينِهِمْ ، وَإِخْرَاجٌ لَهُمْ مِنْ أَحْوَالِ ضَلَالِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَأَنَّهُمْ كَمَا أُيِّدُوا بِدِينٍ عَظِيمٍ سَمْحٍ فِيهِ صَلَاحُهُمْ ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْبَلُوا مَا فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى إِصْلَاحِهِمْ : فَالْبَعْضُ مَصْلَحَتُهُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَنَافِعِ الْبَدَنِيَّةِ ، وَالْبَعْضُ مَصْلَحَتُهُ رَاجِعَةٌ إِلَى التَّرَفُّعِ عَنْ حَضِيضِ الْكُفْرِ : وَهُوَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ . وَالِاسْتِقْسَامُ بِالْأَزْلَامِ أَذْكَرَهُمْ بِفَوْزِهِمْ عَلَى مَنْ يُنَاوِيهِمْ ، وَبِمَحَاسِنِ دِينِهِمْ وَإِكْمَالِهِ ، فَإِنَّ مِنْ إِكْمَالِ الْإِصْلَاحِ إِجْرَاءَ الشِّدَّةِ عِنْدَ الِاقْتِضَاءِ . وَذُكِّرُوا بِالنِّعْمَةِ ، عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28642_28914_28899عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي تَعْقِيبِ الشِّدَّةِ بِاللِّينِ . وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ ، زَمَانًا ، إِذَا سَمِعُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ رَجَوْا أَنْ تَثْقُلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَرْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ ، وَيَرْجِعُوا
[ ص: 100 ] إِلَى الشِّرْكِ ، كَمَا قَالَ الْمُنَافِقُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=7لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا . فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ : بِشَارَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَنِكَايَةً بِالْمُشْرِكِينَ . وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ
مَكَّةَ ، كَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ عَنْ
مُجَاهِدٍ ،
وَالْقُرْطُبِيُّ عَنِ
الضَّحَّاكِ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ يَوْمَ
عَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ الْآيَةِ الَّتِي سَتَأْتِي عَقِبَهَا ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ عَنِ
ابْنِ زَيْدٍ وَجَمْعٍ ، وَنَسَبَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
فَـ ( الْيَوْمَ ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْيَوْمُ الْحَاضِرُ ، وَهُوَ يَوْمُ نُزُولِ الْآيَةِ ، وَهُوَ إِنْ أُرِيدَ بِهِ يَوْمُ فَتْحِ
مَكَّةَ ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ أَبْهَجَ أَيَّامِ الْإِسْلَامِ ، وَظَهَرَ فِيهِ مِنْ قُوَّةِ الدِّينِ ، بَيْنَ ظَهَرَانِيِّ مَنْ بَقِيَ عَلَى الشِّرْكِ ، مَا أَيْأَسَهُمْ مِنْ تَقَهْقُرِ أَمْرِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قُلُوبَ جَمِيعِ الْعَرَبِ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً
بِمَكَّةَ وَمَوْسِمِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ : الَّتِي كَانَتْ فِيهَا حَيَاتُهُمُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ وَالتِّجَارِيَّةُ وَالدِّينِيَّةُ وَالْأَدَبِيَّةُ ، وَقِوَامُ شُئُونِهِمْ ، وَتَعَارُفُهِمْ ، وَفَصْلُ نِزَاعِهِمْ ، فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ انْفِرَادُ الْمُسْلِمِينَ بِتِلْكَ الْمَوَاطِنِ قَاطِعًا لِبَقِيَّةِ آمَالِهِمْ : مِنْ بَقَاءِ دِينِ الشِّرْكِ ، وَمِنْ مُحَاوَلَةِ الْفَتِّ فِي عَضُدِ الْإِسْلَامِ . فَذَلِكَ الْيَوْمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ يَوْمُ تَمَامِ الْيَأْسِ وَانْقِطَاعِ الرَّجَاءِ ، وَقَدْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يُعَاوِدُهُمُ الرَّجَاءُ تَارَةً . فَقَدْ قَالَ
أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ
أُحُدٍ : " اعْلُ هُبَلُ وَقَالَ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=90صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ أَوْ أَخُوهُ ، يَوْمَ
هَوَازِنَ ، حِينَ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ وَظَنَّهَا هَزِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ : " أَلَا بَطُلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ " .
وَكَانَ نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ يَوْمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا ، كَمَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَئِذٍ فِي قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ السِّيَرِ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِمَا دُونَ ذَلِكَ فِيمَا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَاحْذَرُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ .
وَ ( الْيَوْمَ ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ يَوْمٌ مُعَيَّنٌ ، جَدِيرٌ بِالِامْتِنَانِ بِزَمَانِهِ ،
[ ص: 101 ] وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ ( الْيَوْمَ ) بِمَعْنَى الْآنَ ، أَيْ زَمَانَ الْحَالِ الصَّادِقِ بِطَائِفَةٍ مِنَ الزَّمَانِ ، رَسَخَ الْيَأْسُ فِي خِلَالِهَا ، فِي قُلُوبِ أَهْلِ الشِّرْكِ بَعْدَ أَنْ خَامَرَ نُفُوسَهُمُ التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْعَرَبَ يُطْلِقُونَ ( الْيَوْمَ ) عَلَى زَمَنِ الْحَالِ ، وَ ( الْأَمْسَ ) عَلَى الْمَاضِي ، وَ ( الْغَدَ ) عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ . قَالَ
زُهَيْرٌ :
وَأَعْلَمُ عِلْمَ الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْـلَـهُ وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِي
يُرِيدُ بِالْيَوْمِ زَمَانَ الْحَالِ ، وَبِالْأَمْسِ مَا مَضَى ، وَبِالْغَدِ مَا يُسْتَقْبَلُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15934زِيَادٍ الْأَعْجَمِ :
رَأَيْتُكَ أَمْسِ خَيْرَ بَنِي مَعَـدٍّ وَأَنْتَ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكَ أَمْسِ
وَأَنْتَ غَدًا تُزِيدُ الْخَيْرَ خَيْرًا كَذَاكَ تُزِيدُ سَادَةُ عَبْدِ شَمْسِ
وَفِعْلُ ( يَئِسَ ) يَتَعَدَّى بِـ ( مِنْ ) إِلَى الشَّيْءِ الَّذِي كَانَ مَرْجُوًّا مِنْ قَبْلُ ، وَذَلِكَ هُوَ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ دُخُولَ ( مِنَ ) الَّتِي هِيَ لِتَعْدِيَةِ ( يَئِسَ ) عَلَى قَوْلِهِ ( دِينِكُمْ ) ، إِنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ ، أَيْ يَئِسُوا مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ ، يَعْنِي الْإِسْلَامَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي كَانُوا يَطْمَعُونَ فِي حُصُولِهِ : هُوَ فُتُورُ انْتِشَارِ الدِّينِ وَارْتِدَادِ مُتَّبِعِيهِ عَنْهُ .
وَتَفْرِيعُ النَّهْيِ عَنْ خَشْيَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِ : ( فَلَا تَخْشَوْهُمْ ) عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ يَأْسِهِمْ مِنْ أَذَى الدِّينِ : لِأَنَّ يَأْسَ الْعَدُوِّ مِنْ نَوَالِ عَدُوِّهِ يُزِيلُ بَأْسَهُ ، وَيُذْهِبُ حَمَاسَهُ ، وَيُقْعِدُهُ عَنْ طَلَبِ عَدُوِّهِ . وَفِي الْحَدِيثِ : ( نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ) . فَلَمَّا أَخْبَرَ عَنْ يَأْسِهِمْ طَمَّنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَأْسِ عَدُوِّهِمْ ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ أَوْ لِأَنَّ الْيَأْسَ لَمَّا كَانَ حَاصِلًا مِنْ آثَارِ انْتِصَارَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، يَوْمًا فَيَوْمًا ، وَذَلِكَ مِنْ تَأْيِيدِ اللَّهِ لَهُمْ ، ذَكَّرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ، وَإِنَّ فَرِيقًا لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ بَأْسُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا لَأَحْرِيَاءُ بِأَنْ لَا يُخْشَى بَأْسُهُمْ ، وَأَنْ يُخْشَى مَنْ خَذَلَهُمْ وَمَكَّنَ أَوْلِيَاءَهُ مِنْهُمْ .
[ ص: 102 ] وَقَدْ أَفَادَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ) مُفَادَ صِيغَةِ الْحَصْرِ ، وَلَوْ قِيلَ : فَإِيَّايَ فَاخْشَوْنِ لَجَرَى عَلَى الْأَكْثَرِ فِي مَقَامِ الْحَصْرِ ، وَلَكِنْ عَدَلَ إِلَى جُمْلَتَيْ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ : لِأَنَّ مُفَادَ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ مَقْصُودٌ ، فَلَا يَحْسُنُ طَيُّ إِحْدَاهُمَا . وَهَذَا مِنَ الدَّوَاعِي الصَّارِفَةِ عَنْ صِيغَةِ الْحَصْرِ إِلَى الْإِتْيَانِ بِصِيغَتَيْ إِثْبَاتٍ وَنَفْيٍ ، كَقَوْلِ
السَّمَوْأَلِ أَوْ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْحَارِثِيِّ :
تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَـا وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ .