الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن انسد المخرج المعتاد وانفتح دون المعدة مخرج انتقض الوضوء بالخارج منه ، لأنه لا بد للإنسان من مخرج يخرج منه البول والغائط ، فإذا انسد المعتاد صار هذا هو المخرج فانتقض الوضوء بالخارج منه ، وإن انفتح فوق المعدة ففيه قولان : ( أحدهما ) : ينتقض الوضوء بالخارج منه لما ذكرناه ، وقال في حرملة لا ينتقض لأنه في معنى القيء ، وإن لم ينسد المعتاد وانفتح فوق المعدة لم ينقض الوضوء بالخارج منه ، وإن كان دون المعدة ففيه وجهان : ( أحدهما ) : لا ينتقض الوضوء بالخارج منه لأن ذلك كالجائفة ، فلا ينتقض الوضوء بما يخرج منه ، ( والثاني ) : ينتقض ; لأنه مخرج يخرج منه الغائط فهو كالمعتاد ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) المعدة بفتح الميم وكسر العين ، وبكسر الميم وإسكان العين ، ومراد الشافعي والأصحاب بما تحت المعدة ما تحت السرة ، وبما فوق المعدة ما فوق السرة ، ولو انفتح في نفس السرة أو في محاذاتها فله حكم ما فوقها ; لأنه في معناه . ذكره إمام الحرمين وغيره . وقد ذكر المصنف أربع صور :

                                      إحداها : ينسد المعتاد وينفتح مخرج تحت المعدة فينتقض الوضوء بالخارج منه قولا واحدا ، هكذا قطع به الأصحاب في كل الطرق إلا صاحب الحاوي ، فحكى عن أبي علي بن أبي هريرة أنه قال : فيه قولان كما لو لم ينسد ، قال : وأنكر سائر أصحابنا ذلك عليه ونسبوه إلى الغفلة فيه . [ ص: 9 ]

                                      الثانية : ينسد المعتاد وينفتح فوق المعدة فقولان مشهوران ، الصحيح عند الجمهور لا ينتقض ، ممن صححه القاضي أبو حامد والجرجاني والرافعي في كتابيه ، واختاره المزني ، وقطع المحاملي بالانتقاض وهو ضعيف .

                                      الثالثة : لا ينسد المعتاد وينفتح تحت المعدة ، ففي الانتقاض خلاف مشهور ، منهم من حكاه وجهين ، وبعضهم حكاه قولين ، والأصح باتفاقهم لا ينقض ، وبه قطع الجرجاني في التحرير .

                                      الرابعة : لا ينسد المعتاد وينفتح فوق المعدة ، فطريقان قطع الجمهور بأنه لا ينتقض قولا واحدا ، ممن صرح به المصنف هنا .

                                      وفي التنبيه والماوردي والشيخ أبو محمد والقاضي حسين والفوراني وإمام الحرمين والغزالي والمتولي والبغوي وصاحب العدة والرافعي وآخرون ، ونقل الفوراني والمتولي الاتفاق عليه ، وقال الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي : إن قلنا فيما إذا انسد الأصلي وانفتح فوق المعدة لا ينقض فهنا أولى وإلا فوجهان ، وادعى صاحب البيان أن هذه طريقة الأكثرين ، وأن صاحب المهذب خالفهم ، وليس كما قال والله أعلم .

                                      ( فرع ) في مسائل تتعلق بهذه المسألة ( إحداها ) قال صاحب الحاوي : هذه المسائل والتفصيل الذي ذكرناه في المخرج المنفتح ، هي إذا كان انسداد المخرج عارضا لعلة ، قال وحينئذ حكم السبيلين جار عليهما في نقض الوضوء بمسهما ووجوب الغسل بالإيلاج فيهما ، فأما إذا كان انسداد الأصلي من أصل الخلقة فسبيل الحدث هو التفتح والخارج منه ناقض للوضوء ، سواء كان تحت المعدة أو فوقها ، والمنسد كالعضو الزائد من الخنثى لا وضوء بمسه ولا غسل بإيلاجه أو إيلاج فيه ، هذا كلام صاحب الحاوي ولم أر لغيره تصريحا بموافقته أو مخالفته ، والله أعلم .

                                      ( الثانية ) لا فرق فيما ذكرناه في المنفتح بين الرجل والمرأة والقبل والدبر .

                                      ( الثالثة ) حيث حكمنا في مسائل المنفتح بالانتقاض بالخارج ، فإن كان [ ص: 10 ] الخارج بولا أو غائطا انتقض بلا خلاف ، وإن كان غيرهما كدم أو قيح أو حصاة ونحوها ففيه قولان حكاهما الخراسانيون . قال إمام الحرمين وآخرون منهم : أصحهما الانتقاض ، وبه قطع المتولي وهو مقتضى إطلاق العراقيين لأنا جعلناه كالأصلي ، ولا فرق عندنا في الأصلي بين المعتاد وغيره ، وخالف البغوي الجماعة فقال : الأصح لا ينقض لأنا جعلناه كالأصلي للضرورة ، لكون الإنسان لا بد له من مخرج يخرج منه المعتاد ، فإذا خرج غير المعتاد عدنا إلى الأصل ، ولو خرج منه الريح انتقض عند الجمهور لأنه معتاد ، وطرد البغوي والرافعي فيه القولين .

                                      ( الرابعة ) إذا نقضنا بالخارج هل يكفيه الاستنجاء فيه بالحجر أم يتعين الماء ؟ فيه ثلاثة أوجه ( أصحها ) يتعين الماء ، ( والثاني ) لا ، ( والثالث ) يتعين في الخارج النادر دون المعتاد وإن قلنا : لا ينقض ، تعين الماء لإزالة هذه النجاسة بلا خلاف .

                                      ( الخامسة ) حيث قلنا ينقض الخارج منه هل يجب الوضوء بمسه والغسل بالإيلاج فيه ؟ فيه وجهان مشهوران ، أصحهما بالاتفاق لا يجب ; لأنه ليس بفرج . قال إمام الحرمين : وهذا الخلاف على بعده لا يتعدى أحكام الحدث ، فلا يثبت بالإيلاج فيه شيء من أحكام الوطء سوى الغسل ، على وجه ، وهكذا قطع به الجمهور مع الإمام . وذكر القاضي حسين - في تعليقه - الوجهين في وجوب الحد بالإيلاج فيه ، وذكر صاحب البيان أن الوجهين يجريان في وجوب المهر بالإيلاج فيه ، وحصول التحليل به ، قال الرافعي : وطرد أبو عبد الله الحناطي - بالحاء المهملة والنون - الوجهين في المهر وسائر أحكام الوطء . قلت : وكل هذا شاذ فاسد .

                                      ( السادسة ) إذا كان فوق سرة الرجل ونقضنا به ، ففي وجوب ستره ، [ ص: 11 ] وحل النظر إليه للرجال وجهان ( أصحهما ) : لا يجب الستر ، ويحل النظر لأنه ليس في محل العورة ، وقال الرافعي : ويجري الوجهان لو حاذى السرة ، وقلنا بالمذهب : إنها ليست عورة .

                                      ( السابعة ) إذا نقضنا بخروج الريح منه - فنام ملصقا له بالأرض - ففي انتقاضه وجهان حكاهما صاحبا الحاوي والبحر أصحهما لا ينتقض .

                                      ( فرع ) الخنثى الذي زال إشكاله إذا خرج من فرجه الزائد شيء ، فله حكم المنفتح تحت المعدة مع انفتاح الأصلي ، وأما الخنثى المشكل إذا بال من أحد قبليه ففيه ثلاثة طرق قطع الجمهور بأنه كالمنفتح تحت المعدة مع انفتاح الأصلي لاحتمال أنه زائد ، وممن قطع بهذا إمام الحرمين والمتولي والقاضي أبو الفتوح ، وقطع أبو علي السنجي بالانتقاض ، كذا حكاه عنه صاحب البيان ، وقطع الماوردي بأنه لا ينتقض ، ذكره في مسائل لمس الخنثى فرجه ، وإذا بال منهما توضأ قطعا .

                                      ( فرع ) لو كان لرجل ذكران فخرج من أحدهما شيء انتقض وضوءه ، ذكره الماوردي .

                                      ( فرع ) إذا خرج دم من الباسور إن كان داخل الدبر نقض الوضوء ، وإن كان الباسور خارج الدبر لم ينقض ، هكذا ذكره الصيمري وغيره .

                                      ( فرع ) لو أخرجت دودة رأسها من أحد السبيلين ، ثم رجعت قبل انفصالها ففي انتقاض الوضوء وجهان . حكاهما الماوردي والروياني والشاشي وغيرهم ، ( أصحهما ) ينتقض للخروج ( والثاني ) لا ، لعدم الانفصال ، والله أعلم




                                      الخدمات العلمية