الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3355 حدثنا أبو كريب حدثنا حكام بن سلم الرازي عن عمرو بن أبي قيس عن الحجاج عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه قال ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ألهاكم التكاثر قال أبو كريب مرة عن عمرو بن أبي قيس هو رازي وعمرو بن قيس الملائي كوفي عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو قال أبو عيسى هذا حديث غريب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا حكام ) بفتح الحاء وتشديد الكاف ( بن سلم ) بفتح السين المهملة وسكون [ ص: 202 ] اللام ( عن عمرو بن أبي قيس ) الرازي ( عن الحجاج بن أرطاة ) بفتح الهمزة ( عن المنهال بن عمرو ) الأسدي . قوله : ( ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ألهاكم التكاثر أي هذه السورة والمراد بالتكاثر التفاخر أي أشغلتكم المفاخرة والمباهاة والمكاثرة بكثرة المال والعدد والمناقب عن طاعة الله ربكم وما ينجيكم عن سخطه حتى زرتم المقابر أي حتى متم ودفنتم في المقابر ، يقال لمن مات زار قبره وزار رمسه فيكون معنى الآية : ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك .

                                                                                                          قال ابن جرير في تفسيره : وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر ; لأن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيدا منه لهم وتهددا ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل فذكر حديث علي هذا ثم قال وقوله : كلا سوف تعلمون يعني تعالى ذكره بقوله كلا ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر ، وقوله سوف تعلمون يقول جل ثناؤه سوف تعلمون إذا زرتم المقابر أيها الذين ألهاكم التكاثر غب فعلكم واشتغالكم بالتكاثر في الدنيا عن طاعة الله ربكم ، وقوله : ثم كلا سوف تعلمون ثم ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر بالأموال وكثرة العدد سوف تعلمون إذا زرتم المقابر ما تلقون إذا أنتم زرتموها من مكروه اشتغالكم عن طاعة ربكم بالتكاثر ، وكرر قوله : كلا سوف تعلمون مرتين لأن العرب إذا أرادت التغليظ في التخويف والتهديد يذكروا الكلمة مرتين انتهى .

                                                                                                          [ تنبيه ] : اعلم أن في القرآن المجيد آيات تدل على ثبوت عذاب القبر إحداها هذه الآية أعني قوله تعالى : ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر إلخ وأصرحها وأوضحها الآية التي في سورة المؤمن وهو قوله تعالى : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب قال العلامة نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري في تفسير هذه الآية ص 38 ج 24 ما لفظه : وفي الآية دلالة ظاهرة على إثبات عذاب القبر لأن تعذيب يوم القيامة يجيء في قوله : ويوم تقوم الساعة انتهى وقال الحافظ ابن كثير : وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور وهي قوله تعالى : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا انتهى .

                                                                                                          وقال الرازي : احتج أصحابنا بهذه الآية على إثبات عذاب القبر قالوا : الآية تقضي عرض النار عليهم غدوا وعشيا وليس المراد منه يوم القيامة لأنه قال : [ ص: 203 ] ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وليس المراد منه أيضا الدنيا لأن عرض النار عليهم غدوا وعشيا ما كان حاصلا في الدنيا فثبت أن هذا العرض إنما حصل بعد الموت وقبل يوم القيامة وذلك يدل على إثبات عذاب القبر في حق هؤلاء ، وإذا ثبت في حقهم ثبت في حق غيرهم لأنه لا قائل بالفرق . فإن قيل لم لا يجوز أن يكون المراد من عرض النار عليهم غدوا وعشيا عرض النصائح عليهم في الدنيا لأن أهل الدين إذا ذكروا لهم الترغيب والترهيب وخوفوهم بعذاب الله فقد عرضوا عليهم النار ، ثم نقول في الآية ما يمنع من حملها على عذاب القبر وبيانه من وجهين : الأول - أن ذلك العذاب يجب أن يكون دائما غير منقطع . وقوله : يعرضون عليها غدوا وعشيا يقتضي أن لا يحصل ذلك العذاب إلا في هذين الوقتين فثبت أن هذا لا يمكن حمله على عذاب القبر . الثاني - أن الغدوة والعشية إنما يحصلان في الدنيا أما في القبر فلا وجود لهما فثبت بهذين الوجهين أنه لا يمكن حمل هذه الآية على عذاب القبر ، والجواب عن السؤال الأول أن في الدنيا عرض عليهم كلمات تذكرهم أمر النار لا أنه يعرض عليهم نفس النار ، فعلى قولهم يصير معنى الآية الكلمات المذكرة لأمر النار كانت تعرض عليهم وذلك يفضي إلى ترك ظاهر اللفظ والعدول إلى المجاز . أما قوله : الآية تدل على حصول هذا العذاب في هذين الوقتين وذلك لا يجوز قلنا : لم لا يجوز أن يكتفى في القبر بإيصال العذاب إليه في هذين الوقتين ثم عند قيام القيامة يلقى في النار فيدوم عذابه بعد ذلك ، وأيضا لا يمتنع أن يكون ذكر الغدوة والعشية كناية على الدوام كقوله : ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا أما قوله إنه ليس في القبر والقيامة غدوة وعشية قلنا لم لا يجوز أن يقال عند حصول هذين الوقتين لأهل الدنيا يعرض عليهم العذاب انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب ) وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم .




                                                                                                          الخدمات العلمية