الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
القاعدة السادسة .

العطف على المضمر ، إن كان منفصلا مرفوعا ، فلا يجوز من غير فاصل تأكيد ، أو غيره ، كقوله تعالى : ( إنه يراكم هو وقبيله ) ( الأعراف : 27 ) ( فاذهب أنت وربك فقاتلا ) ( المائدة : 24 ) ( اسكن أنت وزوجك الجنة ) ( البقرة : 35 ) عند الجمهور خلافا لابن مالك في جعله من عطف الجمل ، بتقدير : " ولتسكن زوجك " . وقوله : ( وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ) ( الأنعام : 91 ) . ( يدخلونها ومن صلح ) ( الرعد : 23 ) . ( فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن ) ( آل عمران : 20 ) .

وجعل الزمخشري منه ( أئنا لمبعوثون أو آباؤنا ) ( الصافات : 16 - 17 ) فيمن قرأ بفتح الواو وجعل الفصل بالهمزة . ورد بأن الاستفهام لا يدخل على المفردات ، وجعل الفارسي منه ما ( أشركنا ولا آباؤنا ) ( الأنعام : 148 ) وأعرب ابن الدهان ( ولا آباؤنا ) مبتدأ خبره ( أشركوا ) مقدرا .

وأجاز الكوفيون العطف من غير فاصل كقوله تعالى : ( والذين هادوا والصابئون ) ( المائدة : 69 ) .

فأما قوله تعالى : ( فاستوى وهو بالأفق الأعلى ) ( النجم : 6 - 7 ) فقال الفارسي : وهو مبتدأ ، وليس معطوفا على ضمير فاستوى وإن كان مجرورا [ ص: 101 ] فلا يجوز من غير تكرار الجار فيه ، نحو : مررت به وبزيد ، كقوله تعالى : ( وعليها وعلى الفلك تحملون ) ( المؤمنون : 22 ) ، ( فقال لها وللأرض ) ( فصلت : 11 ) ، ( جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون ) ( الإسراء : 45 ) .

وأما قوله : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) ( الأحزاب : 7 ) فإن جعلنا ( ومن نوح ) معطوفا على ( منك ) فالإعادة لازمة ، وإن جعل معطوفا على ( النبيين ) فجائزة .

وقال الكوفيون : لا تلزم الإعادة محتجين بآيات :

( الأولى ) : قراءة حمزة ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) ( النساء : 1 ) بالجر عطفا على الضمير في ( به ) فإن قيل : ليس الخفض على العطف ، وإنما هو على القسم وجوابه : ( إن الله كان عليكم رقيبا ) ( النساء : 1 ) . قلنا : رده الزجاج بالنهي عن الحلف بغير الله وهو عجيب ، فإن ذلك على المخلوقين .

( الثانية ) قوله تعالى : ( لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين ) ( الحجر : 20 ) وفي ، ( ومن لستم ) أولها المانعون كابن الدهان بتقدير : " ويرزق من لستم " ، والزجاج بتقدير : " أعني من لستم " . قال أبو البقاء : لأن المعنى : " أعشناكم وأعشنا من لستم " ، وقدم أنها نصب بـ ( جعلنا ) قال : [ ص: 102 ] والمراد بـ ( من ) العبيد ، والإماء ، والبهائم ، فإنها مخلوقة لمنافعها .

( الثالثة ) قوله تعالى : ( وكفر به والمسجد الحرام ) ( البقرة : 217 ) وليس من هذا الباب لأن المسجد معطوف على سبيل الله في قوله : ( وصد عن سبيل الله ) ( البقرة : 217 ) . ويدل لذلك أنه سبحانه صرح بنسبة الصد إلى المسجد في قوله : ( أن صدوكم عن المسجد الحرام ) ( المائدة : 2 ) .

وهذا الوجه حسن لولا ما يلزم منه الفصل بين ( صد ) وهو مصدر ، ومعموله ، وهو ( المسجد ) بقوله : ( وكفر به ) وهو أجنبي . ولا يحسن أن يقال : إنه معطوف على ( الشهر ) ( البقرة : 217 ) لأنهم لم يسألوا عنه ، ولا على ( سبيل ) لأنه إذ ذاك من تتمة المصدر ، ولا يعطف على المصدر قبل تمامه .

( الرابعة ) قوله تعالى : ( ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك ) ( الأنفال : 64 ) قالوا : الواو عاطفة لـ ( من ) على الكاف المجرورة ، والتقدير : حسبك من اتبعك .

ورد بأن الواو للمصاحبة " ومن " في محل نصب عطفا على الموضع ، كقوله :


فحسبك والضحاك سيف مهند

.

( الخامسة ) قوله تعالى : ( كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ) ( البقرة : 200 ) إذ جعل [ ص: 103 ] " أشد " مجرورا .

قال الزمخشري : إنه في موضع جر عطفا على ما أضيف إليه الذكر في قوله : ( كذكركم ) كما تقول : كذكر قريش آباءهم ، أو قوم أشد منهم ذكرا . لكن هذا عطف على الضمير المخفوض ، وذلك لا يجوز إلا على قراءة حمزة . وقد خالفه الجمهور ، وجعلوه مجرورا عطفا على " ذكركم " المجرور بكاف التشبيه ، تقديره : " أو كذكركم أشد " ، فجعل للذكر ذكرا مجازا ، وهو قول الزجاج ، وتابعه ابن عطية ، وأبو البقاء ، وغيرهما .

ومما اختلف فيه العطف على عاملين ، نحو : ليس زيد بقائم ، ولا قاعد عمرو ، على أن يكون " ولا قاعد " معطوفا على قائم ، وعمرو على زيد ، منعه الجمهور ، وأجازه الأخفش محتجا بقوله تعالى : ( واختلاف الليل والنهار ) ( الجاثية : 5 ) ثم قال : " آيات " بالنصب عطفا على قوله : " لآيات " المنصوب بـ " إن " في أول الكلام ، و ( اختلاف الليل والنهار ) مجرور بالعطف على ( السماوات ) ( الجاثية : 3 ) المجرور بحرف الجر الذي هو " في " ، فقد وجد العطف على عاملين ، وأجيب بجعل " آيات " تأكيدا لـ " آيات " الأولى

التالي السابق


الخدمات العلمية