الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل دعاؤه عليه الصلاة والسلام على بعض الناس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن زيد بن الحباب ، عن عكرمة بن عمار ، حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع ، أن أباه حدثه أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله ، فقال له : " كل بيمينك " . قال : لا أستطيع . قال : " لا استطعت ، ما منعه إلا الكبر " . قال فما رفعها إلى فيه وقد رواه أبو الوليد الطيالسي ، عن عكرمة ، عن إياس ، عن أبيه قال : أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسر بن راعي العير وهو يأكل بشماله ، فقال : " كل بيمينك " . قال : لا أستطيع . قال : " لا استطعت " قال : فما وصلت يده إلى فيه بعد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وثبت في " صحيح مسلم " من حديث شعبة ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس قال : كنت ألعب مع الغلمان ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختبأت منه ، فجاءني فحطأني حطأة أو حطأتين ، وأرسلني إلى معاوية في حاجة [ ص: 86 ] فأتيته ، وهو يأكل ، فقلت : أتيته وهو يأكل ، فأرسلني الثانية ، فأتيته وهو يأكل ، فقلت : أتيته وهو يأكل . فقال : " لا أشبع الله بطنه "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى البيهقي عن الحاكم ، عن علي بن حمشاذ ، عن هشام بن علي ، عن موسى بن إسماعيل ، حدثني أبو عوانة ، عن أبي حمزة سمعت ابن عباس قال : كنت ألعب مع الغلمان ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء ، فقلت : ما جاء إلا إلي . فذهبت فاختبأت على باب ، فجاء فحطأني حطأة وقال : " اذهب فادع لي معاوية " . وكان يكتب الوحي . قال : فذهبت فدعوته له ، فقيل إنه يأكل . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إنه يأكل . فقال : " اذهب فادعه لي " . فأتيته الثانية ، فقيل : إنه يأكل . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال في الثالثة : " لا أشبع الله بطنه " . قال : فما شبع بعدها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت وقد كان معاوية ، رضي الله عنه ، لا يشبع بعدها ، ووافقته هذه الدعوة في أيام إمارته ، فيقال : إنه كان يأكل في اليوم سبع مرات طعاما بلحم ، وكان يقول : والله لا أشبع وإنما أعيى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقدمنا في غزوة تبوك أنه مر بين أيديهم وهم يصلون غلام فدعا عليه ، فأقعد فلم يقم بعدها . وجاء من طرق أوردها البيهقي أن رجلا حاكى النبي صلى الله عليه وسلم في كلام واختلج بوجهه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كن كذلك " . فلم [ ص: 87 ] يزل يختلج ويرتعش مدة عمره حتى مات وقد ورد في بعض الروايات أنه الحكم بن أبي العاص أبو مروان بن الحكم . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن جابر بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار . فذكر الحديث في الرجل الذي عليه ثوبان قد خلقا ، وله ثوبان في العيبة ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسهما ثم ولى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما له ضرب الله عنقه؟! " . فقال الرجل : في سبيل الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " في سبيل الله " . فقتل الرجل في سبيل الله . وقد ورد من هذا النوع كثير . وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة بطرق متعددة عن جماعة من الصحابة تفيد القطع ، كما سنوردها قريبا في باب فضائله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " اللهم من سببته أو جلدته أو لعنته وليس لذلك أهلا فاجعل ذلك قربة له تقربه بها عندك يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قدمنا في أول البعثة حديث ابن مسعود في دعائه صلى الله عليه وسلم على أولئك النفر السبعة الذين أحدهم أبو جهل بن هشام وأصحابه ، حين طرحوا على ظهره ، عليه الصلاة والسلام ، سلا الجزور ، وألقته عنه ابنته فاطمة ، فلما انصرف قال : " اللهم عليك بقريش ، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام ، وشيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة " . ثم سمى بقية السبعة . قال ابن مسعود : فوالذي بعثه بالحق لقد رأيتهم صرعى في القليب قليب بدر . الحديث . وهو متفق عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 88 ] حديث آخر : قال الإمام أحمد : ثنا هاشم ، ثنا سليمان ، يعني ابن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : كان منا رجل من بني النجار قد قرأ " البقرة " و " آل عمران " ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب . قال : فرفعوه وقالوا : هذا كان يكتب لمحمد . وأعجبوا به ، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم ، فحفروا له فواروه ، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ، ثم عادوا فحفروا له وواروه ، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ، فتركوه منبوذا ورواه مسلم عن محمد بن رافع ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن أنس : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، ثنا حميد عن أنس ، أن رجلا كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان قرأ " البقرة " و " آل عمران " ، وكان الرجل إذا قرأ " البقرة " و " آل عمران " عز فينا ، يعني عظم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملي عليه : غفورا رحيما . فيكتب : عليما حكيما ، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم : " اكتب كذا وكذا ، اكتب كيف شئت " . ويملي عليه : عليما حكيما . فيقول : أكتب : سميعا بصيرا؟ [ ص: 89 ] فيقول : " اكتب كيف شئت " . قال : فارتد ذلك الرجل عن الإسلام ، فلحق بالمشركين ، وقال : أنا أعلمكم بمحمد ، وإن كنت لأكتب إلا ما شئت . فمات ذلك الرجل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الأرض لا تقبله " . قال أنس : فحدثني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات فيها ذلك الرجل ، فوجده منبوذا ، فقال أبو طلحة : ما شأن هذا الرجل؟ قالوا : قد دفناه مرارا فلم تقبله الأرض وهذا على شرط الشيخين ، ولم يخرجوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن أنس : قال البخاري : ثنا أبو معمر ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا عبد الوارث ، ثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال : كان رجل نصراني فأسلم ، وقرأ " البقرة " و " آل عمران " ، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فعاد نصرانيا ، وكان يقول : ما يدري محمد إلا ما كتبت له . فأماته الله فدفنوه ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم; نبشوا عن صاحبنا فألقوه . فحفروا له وأعمقوا ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه; نبشوا عن صاحبنا فألقوه . فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية