الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 326 - 328 ] ( ومن استهل بعد الولادة سمي وغسل وصلي عليه ) لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا استهل المولود صلي عليه ، وإن لم يستهل لم يصل عليه }ولأن الاستهلال دلالة الحياة فتحقق في حقه سنة الموتى ( وإن لم يستهل أدرج في خرقة ) كرامة لبني آدم ( ولم يصل عليه ) لما روينا ، ويغسل في غير الظاهر من الرواية ، لأنه نفس من وجه وهو المختار .

                                                                                                        ( وإذا سبي صبي مع أحد أبويه ومات لم يصل عليه ) لأنه تبع لهما ( إلا أن يقر بالإسلام وهو يعقل ) لأنه صح إسلامه استحسانا ( أو يسلم أحد أبويه ) لأنه يتبع خير الأبوين دينا ( وإن لم يسب معه أحد أبويه صلي عليه ) لأنه ظهرت تبعية الدار ، فحكم بالإسلام كما في اللقيط .

                                                                                                        [ ص: 328 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 328 ] الحديث العاشر : قال عليه الصلاة والسلام : { إذا استهل المولود صلي عليه ، ومن لم يستهل لم يصل عليه } ، قلت : روي من حديث جابر ، ومن حديث علي ، ومن حديث ابن عباس فحديث جابر : أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الطفل لا يصلى عليه ، ولا يرث ، ولا يورث حتى يستهل }. انتهى . بلفظ الترمذي أخرجه في " الجنائز " عن إسماعيل بن مسلم المكي عن أبي الزبير به ، قال : وقد اضطرب الناس في هذا الحديث ، فرواه بعضهم عن أبي الزبير مرفوعا ، ورواه بعضهم عن أبي الزبير موقوفا ، وكأنه أصح . انتهى وبهذا السند رواه الحاكم في " المستدرك " ، وسكت عنه ، وقال : إسماعيل بن مسلم المكي لم يحتجا به . انتهى وقال ابن القطان في " كتابه " : هو من رواية أبي الزبير عن جابر معنعنا من غير رواية الليث عنه ، وهو علة ، ومع ذلك فهو من رواية إسماعيل بن مسلم المكي عن أبي الزبير ، وهو ضعيف جدا . انتهى ورواه البيهقي ، وقال : إسماعيل بن مسلم غيره أوثق منه . انتهى ، وأخرجه النسائي في " الفرائض " عن المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير به ، بلفظ : { إذا استهل الصبي صلي عليه ، وورث }. انتهى .

                                                                                                        وبهذا السند قال النسائي : [ ص: 329 ] وللمغيرة بن مسلم عنه حديث منكر ، انتهى وبهذا السند والمتن ، رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الحادي عشر ، من القسم الثالث . ورواه الحاكم أيضا وسكت عنه ، وأخرجه ابن ماجه عن الربيع بن بدر عن أبي الزبير به مرفوعا ، بلفظ النسائي ، والربيع بن بدر يعرف " بعليلة " ضعفوه .

                                                                                                        وقال النسائي وغيره : متروك الحديث ، وأخرجه الحاكم أيضا عن سفيان عن أبي الزبير به مرفوعا ، وقال : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه انتهى وأخرجه أيضا عن بقية عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ، وسكت عنه ، ورواه موقوفا النسائي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر من قوله ، وكذلك ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن أشعث بن سوار عن أبي الزبير عن جابر ، قال : إذا استهل الصبي صلي عليه ، وورث ، فإذا لم يستهل لم يصل عليه ، ولا يورث . انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه البيهقي من طريق محمد بن إسحاق عن عطاء عن جابر بن عبد الله ، نحوه ، قال الدارقطني في " علله " : هذا حديث اختلف فيه على عطاء وأبي الزبير ، فرواه المثنى بن الصباح عن عطاء ، فرفعه ، ورواه ابن إسحاق عنه ، فوقفه ، ورواه عن أبي الزبير يحيى بن أبي أنيسة ، فرفعه ، ووقفه غيره . انتهى .

                                                                                                        وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا من قول الزهري : الطفل إذا استهل صارخا صلي عليه ، ولا يصلى على من لا يستهل ، من أجل أنه سقط . انتهى وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري ، فذكره .

                                                                                                        وأما حديث علي فأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عمرو بن خالد الكوفي عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة { عن علي ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في السقط : لا يصلى عليه حتى يستهل ، فإذا استهل صلي عليه ، وعقل ، وورث ، وإن لم [ ص: 330 ] يستهل لم يصل عليه ، ولم يورث ، ولم يعقل }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث ابن عباس فرواه ابن عدي أيضا في " ترجمة شريك القاضي " حدثنا القاسم بن زكريا ثنا إسماعيل بن موسى ثنا شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا استهل الصبي صلي عليه ، وورث }. انتهى وذهب الإمام أحمد إلى أن الطفل يصلى عليه إذا استكمل أربعة أشهر ، ومالك معنا في المسألة ، وللشافعي قولان ، واحتج لهم ابن الجوزي في " التحقيق " بحديثين : أحدهما : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن زياد بن جبير أخبرني أبي عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { السقط يصلى عليه ، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة } ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرط البخاري ، وفي سنده اضطراب سيأتي في المشي أمام الجنازة .

                                                                                                        الحديث الثاني : أخرجه ابن ماجه عن البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلوا على أطفالكم ، فإنهم من أفراطكم }. انتهى .

                                                                                                        وضعفه الدارقطني ، وقال : البختري ضعيف ، وأبوه مجهول ، ومع ضعفه يمكن حمل الأطفال على من استهل ، والله أعلم .

                                                                                                        أحاديث صلاته عليه السلام على ولده إبراهيم : فيه أحاديث مسندة وأحاديث مرسلة ، فالمسندة : عن ابن عباس والبراء بن عازب وأنس والخدري فحديث ابن عباس رواه ابن ماجه في " سننه " أخبرنا عبد القدوس بن محمد عن داود بن شبيب الباهلي عن إبراهيم بن عثمان عن الحكم بن عتبة عن مقسم عن ابن عباس ، [ ص: 331 ] قال : { لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن له مرضعا في الجنة ، ولو عاش لكان صديقا نبيا ، ولعتقت أخواله القبط ، وما استرق قبطي }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث البراء فرواه أحمد في " مسنده " حدثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن جابر الجعفي عن عامر الشعبي عن البراء ، قال : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم ، ومات ، وهو ابن ستة عشر شهرا } ، ورواه البيهقي ، وقال : وكونه صلى عليه ، هو أشبه بالأحاديث الصحيحة . انتهى ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع عن سفيان عن جابر الجعفي عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره ، لم يذكر فيه البراء ، وكذلك عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن جابر به مرسلا .

                                                                                                        وأما حديث أنس فرواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا عقبة بن مكرم ثنا يونس بن بكير ثنا محمد بن عبيد الله الفزاري عن عطاء عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على إبراهيم ، وكبر عليه أربعا }. انتهى ورواه ابن سعد ، فذكره وأما حديث الخدري فرواه البزار في " مسنده " حدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي الكوفي ثنا عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن الجريري عن أبي النضر عن أبي سعيد الخدري بلفظ أبي يعلى سواء وأما المرسلة : فعن البهي ، واسمه : عبد الله بن يسار ، قال : لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقاعد . انتهى .

                                                                                                        وعن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم ، وهو ابن سبعين ليلة . انتهى رواهما أبو داود في " سننه ، ورواهما البيهقي ، وقال : هذه الآثار مرسلة ، وهي تشد الموصول ، وروايات [ ص: 332 ] الإثبات أولى من روايات الترك . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه ابن سعد في " الطبقات " عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه نحوه { حديث آخر } : رواه أيضا عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه عليه الصلاة والسلام صلى عليه بالبقيع . انتهى .

                                                                                                        أحاديث الترك : أخرج أبو داود في " سننه " من طريق ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ، قال : مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثمانية عشر شهرا ، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وكذلك أحمد والبزار وأبو يعلى في " مسانيدهم " ، وذكر الخطابي مرسل عطاء وقال : هذا أولى الأمرين ، وإن كان حديث عائشة أحسن إيصالا ، واعتل هو وغيره ممن سلم لترك الصلاة عليه بعلل ضعيفة : منها شغل النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الكسوف ، ومنها أنه استغنى بفضيلة بنوة النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ، كما استغنى الشهداء بفضيلة الشهادة ، وقيل : لأنه لا يصلي نبي على نبي ، وقد جاء أنه لو عاش لكان نبيا ، وقيل : المعنى أنه لم يصل عليه بنفسه ، وصلى عليه غيره ، والله أعلم بالصواب .




                                                                                                        الخدمات العلمية