الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3752 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أنه قال قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فما يقروننا فما ترى فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم قال أبو داود وهذه حجة للرجل يأخذ الشيء إذا كان له حقا [ ص: 173 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 173 ] ( إنك تبعثنا ) أي : وفدا أو غزاة ( فلا يقروننا ) بفتح الياء أي : لا يضيفوننا ( فما ترى ) من الرأي أي : فما تقول في أمرنا ( بما ينبغي للضيف ) أي : من الإكرام بما لا بد منه من طعام وشراب وما يلتحق بهما ( فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم ) أي : للضيف وهو يطلق على الواحد والجمع والموصول صفة للحق ، قال النووي : حمل أحمد والليث الحديث على ظاهره وتأوله الجمهور على وجوه أحدها أنه محمول على المضطرين فإن ضيافتهم واجبة ، وثانيها أن معناه أن لكم أن تأخذوا من أعراضهم بألسنتكم وتذكروا للناس لومهم . قلت : وما أبعد هذا التأويل عن سواء السبيل ، قال : وثالثها أن هذا التأويل باطل لأن الذي ادعاه المؤول لا يعرف قائله ، ورابعها أنه محمول على من مر بأهل الذمة الذي شرط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين ، وهذا أيضا ضعيف لأنه إنما صار هذا في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - كذا في المرقاة . قلت : التأويل الأول أيضا ضعيف ؛ لأنه مما لم يقم عليه دليل ولا دعت إليه حاجة . ولبطلان التأويل الثالث وجه آخر وهو أن تخصيص ما شرعه - صلى الله عليه وسلم - لأمته بزمن من الأزمان أو حال من الأحوال لا يقبل إلا بدليل ولم يقم هاهنا دليل على تخصيص هذا الحكم بزمن النبوة ، وليس فيه مخالفة للقواعد الشرعية ، لأن مؤنة الضيافة بعد شرعتها قد صارت لازمة للمضيف لكل نازل عليه ، فللنازل المطالبة بهذا الحق الثابت شرعا كالمطالبة بسائر الحقوق فإذا أساء إليه واعتدى عليه بإهمال حقه كان له مكافأته بما أباحه له الشارع في هذا الحديث وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم .

                                                                      واعلم أن الضيافة ليست بواجبة عند جمهور العلماء ، لكن ذهب البعض إلى وجوبها لأمور ، الأول إباحة العقوبة بأخذ المال لمن ترك ذلك ، وهذا لا يكون في غير واجب ، والثاني قوله : " فما سوى ذلك صدقة " فإنه صريح أن ما قبل ذلك غير صدقة ، بل واجب شرعا ، [ ص: 174 ] والثالث قوله - صلى الله عليه وسلم - : ليلة الضيف حق وفي رواية : ليلة الضيافة واجبة فهذا التصريح بالوجوب ، والرابع قوله - صلى الله عليه وسلم - : فإن نصره حق كل مسلم فإن هذا وجوب النصرة وذلك فرع وجوب الضيافة وهذه الدلائل تقوي مذهب ذلك البعض وكانت أحاديث الضيافة مخصصة لأحاديث حرمة الأموال إلا بطيبة الأنفس والتفصيل في النيل . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه وأخرجه الترمذي من حديث ابن لهيعة وقال حسن .

                                                                      6 - باب في نسخ الضيف




                                                                      الخدمات العلمية