الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
والثالث في صفة صلاة الخوف فالمذهب عندنا أن يجعل الإمام الناس طائفتين فيصلي بالطائفة الأولى ركعة فإذا رفع رأسه منها ذهبوا فوقفوا بإزاء العدو وجاءت الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة ويسلم ثم ذهبوا فوقفوا بإزاء العدو وجاءت الطائفة الأولى فيتمون صلاتهم بلا قراءة ثم ذهبوا وجاءت الطائفة الأخرى فيصلون الركعة الأولى بقراءة وهكذا روى ابن مسعود رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الناس طائفتين فصلى بكل طائفة ركعة وقضت كل طائفة ركعة أخرى } وهكذا روى سالم عن ابن عمر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بالطائفتين بهذه الصفة } وكان ابن أبي ليلى يقول : إذا كان العدو في ناحية القبلة جعل الناس صفين وافتتح الصلاة بهم جميعا فإذا ركع الإمام ركعوا معه وإذا سجد الإمام سجد معه الصف الأول والصف الثاني قيام يحرسونهم وإذا رفعوا رءوسهم سجد الصف الثاني والصف الأول قعود يحرسونهم فإذا رفعوا رءوسهم سجد الإمام السجدة الثانية [ ص: 47 ] وسجد معه الصف الأول والصف الثاني قعود يحرسونهم فإذا رفعوا رءوسهم سجد الصف الثاني والصف الأول قيام يحرسونهم فإذا رفعوا رءوسهم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني فصلى بهم الركعة الثانية بهذه الصفة أيضا فإذا قعد وسلم سلموا معه واستدل بحديث ابن عباس الزرقي رضي الله تعالى عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بعسفان بهذه الصفة } وأبو يوسف يجوز صلاة الخوف بهذه الصفة لأنه ليس فيها ذهاب ومجيء وعندنا إذا كان العدو في ناحية القبلة فإن صلوا بهذه الصفة أجزأهم وإن صلوا بصفة الذهاب والمجيء كما بينا أجزأهم لأن ظاهر الآية شاهد لذلك قال الله تعالى { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } .

وقال مالك رضي الله عنه : يجعل الناس طائفتين فيصلي بالطائفة الأولى ركعة وطائفة تقف بإزاء العدو ثم ينتظر الإمام حتى تصلي الطائفة الأولى الركعة الثانية ويسلمون فيذهبون إلى العدو وجاءت الطائفة الثانية فيصلي بهم الإمام الركعة الثانية ثم يسلم ويقومون لقضاء الركعة الأولى وهكذا روى صالح بن خوات رحمه الله تعالى { أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله بذي قرد } وذكر الطحطاوي حديث صالح بن خوات في شرح الآثار { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف يوم ذات الرقاع وذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت جالسا للطائفة الأخرى حتى أتموا لأنفسهم ثم سلم بهم } وبه أخذ الشافعي رضي الله تعالى عنه أيضا إلا أنه يقول : لا يسلم الإمام حتى تقضي الطائفة الثانية الركعة الأولى ثم يسلم ويسلمون معه وقال : كما ينتظر فراغ الطائفة الأولى من إتمام صلاتهم فكذلك يفعل بالطائفة الثانية ولم نأخذ بهذا لأن فيه فراغ المؤتم من صلاته قبل فراغ الإمام وذلك لا يجوز بحال بخلاف المشي فقد ورد به الأثر في حق من سبقه الحدث مع الإمام فجوزنا ذلك في حالة الخوف وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بالطائفة الأولى ركعة انتظرهم حتى أتموا صلاتهم وذهبوا إلى العدو وجاءت الطائفة الأخرى فبدءوا بالركعة الأولى والنبي عليه الصلاة والسلام ينتظرهم ثم صلى بهم الركعة الثانية } ولم يأخذ بهذا أحد من العلماء لأنه حكم كان في الابتداء أن المسبوق يبدأ بقضاء ما فاته ثم بأداء ما أدرك مع الإمام وقد ثبت انتساخه وروي شاذا { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين فكان له أربع ركعات ولكل طائفة ركعتان } ولم نأخذ بهذا لأن في حق الطائفة الثانية يحصل اقتداء المفترض بالمتنفل إلا أن يكون تأويله [ ص: 48 ] أنه كان مقيما فصلى بكل طائفة ركعتين وقضت كل طائفة ركعتين وهو المذهب عندنا فإنه يصلي بكل طائفة شطر الصلاة وأما في صلاة المغرب فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالطائفة الثانية ركعة عندنا ( وقال ) الثوري رحمه الله تعالى : يصلي بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الثانية ركعتين لأن فرض القراءة في الركعتين الأوليين فينبغي أن يكون لكل طائفة في ذلك حظ .

( ولنا ) أنه إنما يصلي بكل طائفة شطر الصلاة وشطر المغرب ركعة ونصف فثبت حق الطائفة الأولى في نصف ركعة والركعة الواحدة لا تجزئ فثبت حقهم في كلها ولأن الركعتين شطر المغرب ولهذا كانت القعدة بعدهما وهي مشروعة للفصل بين الشطرين ثم الطائفة الأولى تصلي الركعة الثالثة بغير قراءة لأنهم لاحقون والطائفة الثانية يصلون الركعتين الأوليين بالقراءة ويقعدون بينهما وبعدهما كما يفعله المسبوق بركعتين في المغرب

التالي السابق


الخدمات العلمية