الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7608 ) مسألة ; قال : ولا يقام الحد على مسلم في أرض العدو . وجملته أن من أتى حدا من الغزاة ، أو ما يوجب قصاصا ، في أرض الحرب ، لم يقم عليه حتى يقفل ، فيقام عليه حده . وبهذا قال الأوزاعي ، وإسحاق . وقال مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر : يقام الحد في كل موضع ; لأن أمر الله تعالى بإقامته مطلق في كل مكان وزمان ، إلا أن الشافعي قال : إذا لم يكن أمير الجيش الإمام ، أو أمير إقليم ، [ ص: 248 ] فليس له إقامة الحد ، ويؤخر حتى يأتي الإمام ; لأن إقامة الحدود إليه ، وكذلك إن كان بالمسلمين حاجة إلى المحدود ، أو قوة به ، أو شغل عنه ، أخر . وقال أبو حنيفة : لا حد ولا قصاص في دار الحرب ، ولا إذا رجع .

                                                                                                                                            ولنا ، على وجوب الحد ، أمر الله تعالى ورسوله به ، وعلى تأخيره ، ما روى بشر بن أبي أرطاة ، أنه أتي برجل في الغزاة قد سرق بختية ، فقال : لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تقطع الأيدي في الغزاة } لقطعتك . أخرجه أبو داود وغيره . ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم . وروى سعيد ، في سننه بإسناده عن الأحوص بن حكيم ، عن أبيه ، أن عمر كتب إلى الناس ، أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية رجلا من المسلمين حدا ، وهو غاز ، حتى يقطع الدرب قافلا ; لئلا تلحقه حمية الشيطان ، فيلحق بالكفار . وعن أبي الدرداء مثل ذلك .

                                                                                                                                            وعن علقمة ، قال : كنا في جيش في أرض الروم ، ومعنا حذيفة بن اليمان ، وعلينا الوليد بن عقبة يشرب الخمر ، فأردنا أن نحده ، فقال حذيفة : أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم ، فيطمعوا فيكم . وأتي سعد بأبي محجن يوم القادسية ، وقد شرب الخمر ، فأمر به إلى القيد ، فلما التقى الناس قال أبو محجن :

                                                                                                                                            كفى حزنا أن تطرد الخيل بالقنا وأترك مشدودا علي وثاقيا

                                                                                                                                            وقال لابنة حفصة امرأة سعد : أطلقيني ، ولك الله علي إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد ، فإن قتلت ، استرحتم مني . قال : فحلته حين التقى الناس ، وكانت بسعد جراحة ، فلم يخرج يومئذ إلى الناس . قال : وصعدوا به فوق العذيب ينظر إلى الناس ، واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة ، فوثب أبو محجن على فرس لسعد يقال لها البلقاء ، ثم أخذ رمحا ، ثم خرج ، فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم ، وجعل الناس يقولون : هذا ملك ; لما يرونه يصنع ، وجعل سعد يقول : الضبر ضبر البلقاء ، والطعن طعن أبي محجن ، وأبو محجن في القيد . فلما هزم العدو ، رجع أبو محجن حتى وضع رجليه في القيد . فأخبرت ابنة حفصة سعدا بما كان من أمره ، فقال سعد : لا والله ، لا أضرب اليوم رجلا أبلى الله المسلمين به ما أبلاهم . فخلى سبيله . فقال أبو محجن : قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها ، فأما إذا بهرجتني ، فوالله لا أشربها أبدا . وهذا اتفاق لم يظهر خلافه .

                                                                                                                                            فأما إذا رجع ، فإنه يقام الحد عليه ; لعموم الآيات والأخبار ، وإنما أخر لعارض ، كما يؤخر لمرض أو شغل ، فإذا زال العارض ، أقيم الحد ، لوجود مقتضيه ، وانتفاء معارضه ، ولهذا قال عمر : حتى يقطع الدرب قافلا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية